الغرب عندما يصنع الحروب ويذكّي الخلافات

هاني جودة

عندما طالبنا ونطالب بريطانيا بالاعتذار ومعالجة آثار وعد بلفور «وعد من لا يملك لمن لا يستحق» تتجاهل الديمقراطية الغربية والبريطانية خاصة كافة النداءات بل وتستمرّ بسياساتها المتناغمة أمريكياَ، أكثر من سبعة وتسعين عاماَ ليست كفيلة بجعل بريطانيا تشعر بالذنب جراء وعدها المشؤوم فمنذ ذلك التاريخ وفلسطين في حرب ضدّ عصابات جعل منها الغرب دولة هي الأقوى عسكرياً في منطقة الشرق العربي عموماً، دولة تمارس الإرهاب وترتكب المجازر… قتلت عشرات آلاف الفلسطينيين، وتشير الإحصاءات إلى أنّ مئات الآلاف من الفلسطينيين قد سجنوا في معتقلات سجون الموت لفترات متفاوتة.

لقد استطاعت العقلية العدائية الغربية الرسمية المحكومة باتحاد الصهيونية اليهودية وجماعات أصولية أخرى وقوى اللوبي الاقتصادي أن تستمرّ بحماية وتوجيه دولة الاحتلال نحو زعزعة المنطقة العربية بأسرها، بل يمتدّ النفوذ الحيوي لهذا الجسم السرطاني من باكستان حتى المملكة المغربية، وبهذا التفويض من الغرب جعل «إسرائيل» تتصرف على أنها صاحبة السلطة الزمانية والمكانية والوراثة لكلّ أرض فلسطين التاريخية، بل جعلها تعتبر أنّ الفلسطينيين ليسوا بشراً وبالتالي يحق لها معاقبتهم وتجويعهم وحصارهم متى شاءت وكيفما شاءت. صنعت قوى المخابرات الغربية حروب المنطقة العربية في دراسة منها لاستمرار الوجود الإفرنجي في قلب الشرق العربي فلقد كان لوجود إسرائيل سراً في نظرها أمام طموحات الثأر في فلسطين وفي الأندلس الشامية، ظناً منهم أنّ هذه القوى العسكرية الموجودة جبراً ستكفل لطموحات الغرب أن تتحقق في الشرق العربي مع تحقيق انجازات اقتصادية هائلة للغرب بوجود هذه الجسم السرطاني، إلا أنه وبالمنظور البعيد سيلاحظ الغرب أنّ تكلفة حماية «إسرائيل» أعلى من إنجازاتهم الاقتصادية، بالتالي لا داعي لكلّ هذا الزخم والدعم الذي يقدم لـ»إسرائيل» بالمجان، وستجد «إسرائيل» نفسها أمامآألاف من الشهداء وعائلات الشهداء الذين فتكت بهم بآلة الغرب الحربية. تعطي هذه القوى الغربية بالغ القلق والاهتمام لأكذوبة «الأمن الإسرائيلي»، والذي هو في الواقع شرعنة منهم لإرهاب اليمين واليسار «الإسرائيليين»، وبينما حرام على بلابلنا الدوح حلالٌ عليهم قتلنا، حرام على شعبنا العيش وحلالٌ عليهم دمنا، حرام على مقاومتنا بكلّ أشكالها حمايتنا وحلالٌ عليهم قصفنا وتشتيتنا، هم صنعوا لنا الموت هم أرسلوا لنا أموالنا مساعدات وباليد الأخرى موّلوا «إسرائيل» لقتلنا، هم من أرسل السلاح والمال في حرب غزة، وقد كشفت تقارير عن إرسال ألمانيا شحنة أسلحة كبيرة إلى «إسرائيل» أثناء الحرب، ومنذ الأيام العشرة الأولى موّل الكونغرس القبة الحديدية بأكثر من 200 مليون دولار، لدولة يترنّح اقتصادها جراء توقف الحياة الاقتصادية هرباً من صواريخ غزة المحلية، هذا الغرب الذي يسير مطأطأ الرأس للصهيونية يصدر القرارات من هيئة الأمم ومجلس الأمن ومن ثم يقيسها بالمصالح الإسرائيلية، فإذا توافقت نفذها ضمن شعارات «الديمقراطية» و»أمن إسرائيل المقدس»، وإذا تعارضت تناساها وأصبحت حبراً على ورق، متجاهلاً المصالح والحقوق الفلسطينية، وإذا تذكّرنا جزءاً من القرارات الدولية الصادرة بعد العام 1947 بشأن فلسطين، والتي لم تنفذ سنقف أمام قرار التقسيم الشهير لعام 1947، هذا القرار الذي أعطى فلسطين أكثر من حدود عام 1967 ولكن المصالح الإسرائيلية رفضت قرار التقسيم فما كان من مصدر القرار والغرب الرسمي إلا أن تجاهل مجرّد الاعتراف بالوجود العربي الفلسطيني. واتفاقية رودس شباط1949 التي حدّدت معالم قطاع غزة إثر المعارك بين الجيش المصري وبين «إسرائيل» بمساحة 555 كلم2 أعطى غزة طوال الحدود الشمالية والشرقية ما مساحته 200 كلم2 تبدأ من شمالي وادي الحسي أقصى شمال مدينة غزة وحتى حدود قضاء الخليل وبئر السبع بالجنوب مروراً ببلدات عرب الحسنات وأبو ستة والمغاصبة وأبو شلهوب جاء في المادة السادسة من اتفاقية الهدنة الفقرة رقم1: أنّ خط الهدنة يجب أن يتمّ بناء على قرار مجلس الأمن الصادر في 4 تشرين الثاني1948، والمؤكد عليه في مذكرة مجلس الأمن بتاريخ 13 تشرين الثاني1948 أي بإرجاع الوضع كما كان عليه في 15 تشرين الأول1948 أو بمعنى آخر إعادة أهل القرى الفلسطينية الجنوبية إلى ديارهم . لكن الإسرائيليين فرضوا خط الهدنة إلى الحدّ التقريبي الذي وصلت إليه قواتهم، وهذا الوضع المستحدث سادته الدول الغربية المتحالفة مع الصهيونية، وتناست «إسرائيل» اتفاقية رودس كما تناست غيرها بل تصرّ بمساندة الغرب على التملّص من أيّ اتفاقية قد توقعها وكان المثال في أوسلو والتي تعتبر الوثيقة الوحيدة التي وقعتها «إسرائيل» منذ أكثر من عشرين عاماَ ما تزال تراوح محلها، وتعتبر مفاوضات الوضع النهائي أشبه بالوضع المستحيل، واليوم تأتي حرب غزة كصعقة كهرباء تعيد غزة وفلسطين إلى الصدارة العالمية بعد أن غطت عليها أحداث العالم في سورية والعراق واوكرانيا ومناطق أخرى تلتهب بها الأحداث.

يقف الفلسطينيون أمام محطة أخيرة قبل حالة الطفر السياسي، فهم يطالبون بعيش كريم وحياة مستقرة ومطالبات محقة على أرضهم، مطالب الفلسطينيين في غزة اليوم وإنْ لم تؤخذ جملة ستؤخذ تدريجيـا حفاظا على التضحيات ومراعاة لآلام الشعب ومعاناته وبدون انتقاص هي كالتالي :

انسحاب «إسرائيل» إلى حدود غزة الحقيقية حسب اتفاقية رودس وإرجاع الـ200 كلم2 المقتطعة من مساحة قطاع غزة والبالغة 555 كلم2.

حرية إنشاء موانئ ومطارات عدة والسيادة الكاملة على مساحة القطاع ومناطق الـ67 كاملة براً وبحراً وجواً وفتح كافة المعابر، وتشغيل الممرّ الآمن الذي يربط مدن غزة بمدن الضفة المحتلة. حرية استثمار وتشغيل آبار الغاز المكتشفة على سواحل شمال غزة و تمكين المزارعين وأصحاب الأراضي الحدودية من استغلال أراضيهم في البناء والزراعة وتمكين الصيادين من الصيد حسب المقاييس الدولية المتعارف عليها.

يعلم الفلسطينيون أن القوى الغربية يزعجها ما يرضيهم ولا يروق لها ما يغضب «إسرائيل» وتعمل على إذكاء أيّ خلاف من شأنه تحقيق مصلحة «إسرائيل»، ولكننا أمام الوقفة الأخيرة قبل الدمار الأخير فهم لم يحترموا إنسانية الفلسطينيين ولم يحترموا حقوقهم ولقد وصل الإنسان الفلسطيني إلى درجة اللاعودة من تنفيذ مطالبه الضائع أغلبها بفعل قرارات الغرب وعنجهيته المستمرة، هذه المطالب وغيرها من أبسط الحقوق الفلسطينية إضافة إلى حقوق أخرى أهمّها استقلال العملة والبنوك والنقود والأعمال الفلسطينية، وهذه نعتبرها مدخلاً لراحة واستقرار شعبنا المنكوب منذ أكثر من ستة وستين عاماً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى