شاعرة الغيوم … غيداء أبو صالح
عبد الرحمن الخليفة
أدركتُ وأنا أحاول الكتابة عن الشاعرة السودانية غيداء أبو صالح، معنى السياحة في تجريد مطلق للكلمات من الالتباسات في تعريف الشعر، وكيف أنه يطلّ نقياً معبّراً عن عالم قائم بذاته، وأنه يصلح ليكون مدخلاً للوجود الإنساني إلى محاولة إدراك علاقته بالمطلق في حدود كيانه الفاني باحتوائه على ذلك الوجدان المتصالح مع الوجود وعلاقاته الكونية اللامتناهية .
هذه التجربة الفريدة التي وقفتُ أمامها مبهوراً، متعلّماً ومحاولاً التعمّق في سبر غورها الذي أشكلت عليه قلّة المتوافر عنها من خلفيات قد تتكشف بجهد أكبر، وهو مسعى سيظلّ قائماً، أو دراسات رغم أنها تعتبر من تجارب الأجيال المعاصرة حتى بعد رحيلها إلى عالم الخلود وهي في مرحلة الشباب وروحه المتطلّعة التي دفعت بها إلى التمسّك ببعض حلم في دراسة الطبّ، بعدما درست الإعلام في أعرق جامعات السودان، فاضطرّت لمغادرة البلاد متّجهة إلى روسيا لإدراك رغبتها التي يبدو أنّها واجهت صعوبات قد تكون متمثلة في القلق المبدع الذي نتج عن وصولها إلى أعلى سقوف التمازج مع معطيات ما وراء الوعي بحقيقة الإنسانية وما يحيط بها من علاقات تربطها بفضاء الكون الممتد.
غادرت غيداء أبو صالح روسيا إلى هولندا، حيث التقت الشاعر الدكتور معز عمر، وناقشته في أمر طباعة ديوانها الوحيد «الطوفان الآخر»، وقد وجدت عنده رؤية هي التي أسفرت عن نشر هذا الديوان، وهو أمر يُشكر عليه جدّاً، ثمّ ودّعها متّجهة إلى لندن في موعد مع قدر لطالما حاولت التعبير عنه في قصائد ديوانها الذي أعتبره مدرسة شعرية متكاملة تنتظر قراءتها من كلّ الزوايا التي تعبّر عنها وهي جديرة بذلك.
في لندن، تأكد لها أنّ أيامها باتت معدودة على إثر مرض أصابها، لم أعرف تفاصيله أو مسمّاه وقد أوفّق يوماً. واضطرت للعودة إلى الوطن لتحلّق روحها في فضائه وتتخلّل بكلّ كيانها كلّ ما كان ملهماً ومكونّاً في تجربتها الغنية بالمعاني والصدق والأصالة .
من قصيدة «شموع لقداس سرّي»:
كان البدء
انصهار القرب
وشجرة
وما فوق هواء… ما تحت هواء
نور يراوده النور
نداء
أتعبتني هذه الرؤيا فألقيت يدي فتعلّقت بكفّ الريح
وترنيمة ناي حزين
قلتُ يا عرّافة
جئتكِ
قالت :
هل أعياك موتك؟
قلتُ: لا
في هذا المدى حفيف رفع مئزرة الريح
وعلّق في رأسه ظهر الطريق.
كنتُ وحدي أغزل دمعاً يلذّ الدم
في شرايين أشجار!