الحكومة تبدأ ببيانها الوزاري بمسودة للمشنوق… مجمّعة من أربعة مصادر خطاب القسم ونسبية الحريري ونص باسيل للنازحين ونص مقترح للمقاومة
كتب المحرّر السياسي
تتقدّم مناسبة عيد الميلاد وثلاثة ملفات على جبهة الحرب السوري بالتوازي، الحشود نحو تدمر، والإخلاءات المتزامنة للمسلحين من الأحياء الشرقية لحلب ومحاصري الفوعة وكفريا، وبلورة خطط عملية لترجمة التفاهم الذي جمع روسيا وتركيا وإيران على رعاية حوار سوري سوري عنوانه أولوية الحرب على الإرهاب، بدلاً من أولويات المعارضة السابقة لإسقاط النظام، واعتبار هذه الأولوية شرطاً لقبول الوفود المشاركة، بعدما تكفّلت تركيا بعملية فك وتركيب لمكونات الائتلاف وجماعة مؤتمر الرياض، وتكفّلت موسكو بدعوة المشاركين في حواراتها وحوارات القاهرة الذين ينطبق عليهم هذا الشرط، والأهمّ بحوار مع القيادات التركية حول التمسك بوحدة سورية.
ينتهي اليوم وفقاً للمتوقع انسحاب المسلحين من الأحياء الشرقية لحلب ويحتفل أهل المدينة وجيشها وحلفاؤهم بعيد الميلاد في الأحياء الشرقية المحرّرة إعلاناً لربط وحدة المدينة بوحدة نسيجها الاجتماعي وعودة الحياة لكنائسها ومساجدها في الأخوة التاريخية التي ربطت بينها على مدى عصور ماضية، وإعلان نهاية الحقبة العثمانية السوداء التي ظلّلت بسحابتها أجواء المدينة لسنوات عجاف.
لبنانياً، انهمكت الحكومة الجديدة بعد الصورة التذكارية والجلسة الأولى التي اقتصرت عملياً على كلمة توجيهية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لبدء البحث ببيانها الوزاري في لجنة ترأسها رئيس الحكومة سعد الحريري، وشهد اجتماعها الأول تداولاً بالعناوين ومحاولات لجسّ النبض المتبادل حول القضايا الموصوفة بالإشكالية، والتي تراوحت بين قضية مواجهة الإرهاب وتشابكه بالعلاقة مع سورية وقتال حزب الله هناك، وقانون الانتخاب والتأكيد عليه كالتزام وعلاقته بإشكالية النسبية، وقضية النازحين السوريين والتعامل معهم سواء من بوابة العلاقة بالدولة السورية أو الجواب على المشاريع الخارجية التي تُخفي وراءها دعوات مبطنة للتوطين، وصولاً للإشكالية الكبرى المتصلة بالمقاومة وسلاحها وصيغة ورودها في نص البيان.
رئيس الحكومة الذي أخذ على عاتقه إعداد مسودة كلف بها وزير الداخلية نهاد المشنوق، وفقاً لمصادر متابعة، سيعرض المسودة على اللجنة اليوم لمناقشة أولية تنتهي بتدوين المشنوق للملاحظات وتعهّد الرئيس الحريري بتعديلات تدخل الممكن منها، يتولاها المشنوق مرة أخرى وصولاً للصيغة التي يفترض أن تبصر النور قبل عيد الميلاد أو كأبعد حدّ قبل نهاية العام.
يشتغل المشنوق في مسودته على اعتماد نص يعرض قضية الإرهاب ويضيف فقرة من خطاب القسم للموقف من الإرهاب، وفيه «أنّ لبنان الذي عانى من ويلات الإرهاب وعدوانه ولا يزال يشكل جبهة أمامية للحرب عليه ستتولى حكومته بذل جهودها لحلّ عاجل لقضية عسكرييه المخطوفين، وبدعم المؤسسات العسكرية والأمنية لتمكينها من القيام بمسؤوليتها في هذه الحرب والحكومة تلتزم بالتعامل مع الإرهاب»، «استباقياً وردعياً وتصدياً، حتّى القضاء عليه، كما علينا معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة، ساعين أن لا تتحوّل مخيمات وتجمعات النزوح إلى محميات أمنية. كلّ ذلك بالتعاون مع الدول والسلطات المعنية، وبالتنسيق المسؤول مع منظّمة الأمم المتحدة التي ساهم لبنان في تأسيسها، ويلتزم مواثيقها في مقدّمة دستوره. مؤكدين أنه لا يمكن أن يقوم حلّ في سورية لا يضمن ولا يبدأ بعودة النازحين»، مقتبسة من خطاب القسم، لتليها فقرة النازحين السوريين مقتبسة من مواقف وزير الخارجية جبران باسيل، «سيبقى لبنان يدعو إلى عودة النازحين إلى وطنهم كحلّ وحيد مستدام لأزمتهم، وسيسعى إلى تسليط الضوء على خصوصيته وما ترتبه دستورياً وميثاقياً، من استحالة القبول بإقامة طويلة للنازحين على أرضه» و«إنّ عودتهم ممكنة ما قبل وخلال وبعد الحلّ السياسي في سورية، لذلك علينا توفير الظروف المؤاتية للاستفادة من المناطق المستقرة لعودتهم».
عن قانون الانتخاب ستتضمّن المسودة كلام الرئيس الحريري في بيانه بعد تشكيل الحكومة وفيه التزام الحكومة بالعمل وصولاً «إلى قانون جديد للانتخابات، يراعي النسبية وسلامة التمثيل، لتنظيم الانتخابات النيابية في موعدها منتصف العام المقبل».
عن المقاومة ستتضمّن المسودة المقترحة، جمعاً لنص من خطاب القسم ولنص من البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام هما، من خطاب القسم، «في الصراع مع إسرائيل، فإننا لن نألو جهداً ولن نوفر مقاومةً، في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة، وحماية وطننا من عدوٍّ لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية» ومن بيان حكومة الرئيس سلام، «استناداً إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
وينتظر أن لا يستغرق النقاش وقتاً طويلاً يعيق إنجاز البيان الوزاري تمهيداً لاجتماع يتوقع أن يعقد الإثنين المقبل لإقراره وإيداعه المجلس النيابي أملاً بإقراره قبل نهاية العام.
ماذا بعد الصورة التذكارية؟
ماذا بعد الصورة التذكارية لحكومة العهد الأولى؟ سؤال يراود أذهان اللبنانيين الذين انتظروا قرابة العامين ونصف العام من الفراغ القاتل لحظة انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة لانطلاق عجلة الدولة وتفعيل مؤسساتها ومعالجة الأزمات المزمنة، فهل تبقى الحكومة العتيدة على صورتها الجامعة لكل مكوّناتها وأطيافها؟ أم أن الخلافات الضاربة في الأعماق حول الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية الموروثة من الحكومات المتعاقبة سيحوّلها إلى صورٍ لتكتلاتٍ وأحلافٍ وكانتونات طائفية متصارعة ومعطلة للحكومة والبلد؟
ومن على درج حديقة الرؤساء في قصر بعبدا، حيث أخذت حكومة الوفاق الوطني التذكار بحضور أركان الدولة، انتقل رئيس الحكومة والوزراء الى قاعة الجلسات في القصر وعقدت الجلسة الأولى برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لكن نصف ساعة لم تسمح للأطراف السياسية سبر أغوار النيات والمناخات والاتجاهات التي سينتهجها كل طرف، فكانت جلسة سريعة لم تتضمّن مناقشات حول موضوعات مدرجة على جدول أعمال كأي جلسة عادية وشكلت مناسبة لتوجيه الرئيس عون إلى الوزراء بعض الأفكار العامة وأولويات عملها وتم تشكيل لجنة وزارية لإعداد البيان الوزاري.
وأكد عون خلال الجلسة أن «من مهام حكومة الوفاق الوطني إجراء انتخابات نيابية وصياغة قانون انتخابي والمحافظة على الاستقرار الأمني وإعطاء الأفضلية في كل وزارة لما ينتظره المواطنون منها، إضافة الى ضرورة الإسراع في إقرار مشروع الموازنة وبتّ التعيينات الملحة في الشواغر». وشدّد على ضرورة إيلاء أهمية لمكافحة الفساد في الوزارات، معتبراً أن «الوزراء يُعتبرون مسؤولين عن إهمال عدم التعامل مع الفساد في وزاراتهم».
بدوره، دعا الحريري الأجهزة الأمنية إلى الاستعداد للمحافظة على الأمن في كل لبنان، ولا سيما في الأماكن السياحية في فترة الأعياد.
وقال وزير الاعلام ملحم رياشي، للاعلاميين «إنكم ستفاجأون بمدى الايجابية التي سترونها في نشاط مجلس الوزراء في خدمة المواطن، من أجل الإسراع في الامور المطلوبة».
وإذ حدد الرئيس عون موعد الجلسات كل يوم أربعاء من الحادية عشرة قبل الظهر الى الثانية من بعده. شكلت لجنة لصياغة البيان الوزاري برئاسة الحريري، فتألفت من الوزراء: مروان حمادة، محمد فنيش، علي حسن خليل، سليم جريصاتي، نهاد المشنوق، بيار بوعاصي، ويوسف فينيانوس، حيث عقدت في السراي الحكومي اجتماعها الأول.
جلسة تعارف ودردشة
ووصف مصدر وزاري في 8 آذار الجلسة الأولى لمجلس الوزراء بـ«جلسة سلام وتعارف ودردشة بين الوزراء واستمزاج للنيات»، وأشار لـ«البناء» الى أن «جلوس القوى السياسية المتناقضة والمختلفة حول الخيارات السياسية على طاولة مجلس الوزراء هو بحد ذاته الحدث بعض فراغ دام أكثر من عامين ونصف انسحب على باقي المؤسسات»، ورحّب المصدر بما صدر عن الرئيس عون، وأكد أن «البيان الوزاري متفاهَم على عناوينه الأساسية لا سيما الخيارات السياسية للبنان وموقفه من الإرهاب والمقاومة وبناء الدولة ومحاربة الفساد وقانون الانتخاب وانتخابات نيابية في موعدها وتعزيز العمل واستنهاض الوطن على الصعد كافة ومعالجة الأزمات»، موضحاً أن «البيان سيعتمد إزاء هذه المواضيع صيغة مقاربة لما ورد في خطاب القَسَم». ولفت المصدر الى أن «فريق 8 آذار سيناقش مسودة البيان عندما تُعرض على مجلس الوزراء وسيبدي ملاحظاته عليها»، لكنه رجح أن «لا يعترض إقرار البيان أي مطبات وأن لا يأخذ وقتاً طويلاً».
وأوضحت مصادر وزارية لـ«البناء» أن موضوعات البيان الوزاري تتناول الوضع الأمني والاقتصادي والنزوح السوري والتأكيد على إقرار قانون انتخاب جديد»، ولفتت الى أن «جلسة مجلس الوزراء المقبلة غير مرتبطة بجلسة البيان الوزاري، وفي حال تم الانتهاء من صياغة البيان قبل الأربعاء يمكن أن تعقد جلسة الإثنين المقبل لإقراره»، متوقعة «إنجازه قبل عيد الميلاد للانصراف إلى الحصول على ثقة المجلس النيابي على أساسه والانطلاق بالعمل بسرعة».
وأعلن زير الداخلية نهاد المشنوق أن «مسودة البيان الوزاري لا تتجاوز الأربع صفحات»، لافتاً الى أنه «ليس مستبعداً إنجازه قبل الميلاد». وأشار الى أن عناوين البيان الوزاري «متفق عليها وهي مستمدّة من خطاب القَسَم ومن البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام».
وأكد وزير العمل محمد كبارة أن «أجواء جلسة أمس إيجابية وتؤشر الى جدية لدى جميع الأطراف السياسية للانكباب على العمل في جميع الوزارات لمعالجة الأزمات في لبنان»، وقال لـ«البناء» «إننا لمسنا من خلال كلام الرئيسين عون والحريري والوزراء أن الجميع أبدى استعداداً للعمل بعزمٍ وقوة لتنفيذ العناوين التي طرحها رئيس الجمهورية على صعيد كل وزارة، لأن المواطن لم يعد قادراً على تحمل الأزمات والفوضى على صعيد الإدارات والوزارات والكهرباء وأزمة السير وخاصة الفساد والمطلوب محاسبة الفاسدين الذين يسبّبون الضرر للمواطن ولقمة عيشه وصحته ومستقبله».
وشدّد كبارة على أن «الأمل كبير على هذه الحكومة إذا صدقت النيات وتعاون مجلس الوزراء كفريق عمل واحد، وليس كنكايات سياسية وتعطيل متبادل كما حصل في السابق. وعلى الجميع أن ينصبّ الى معالجة هموم الشعب ومطالبه لكي ينجح كل وزير بعمله وحزبه وتكتله السياسي لمصلحة لبنان». وتوقع كبارة إنجاز البيان الوزاري في وقت قصير وإقراره في مجلس الوزراء، حيث سيعتمد روح خطاب القَسَم لجهة سلاح المقاومة وقانون الانتخاب ولن يحصل خلاف حول ذلك».
ونشر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» رسماً لرضيع في مهده وتمتدّ أيدٍ كثيرة حوله تحاول إطعامه وعلّق قائلاً: «ماذا سيحمل البيان الوزاري؟».
بري: الأولوية لقانون الانتخاب
في غضون ذلك، وبانتظار إقرار البيان الوزاري في الحكومة ونيلها الثقة في المجلس النيابي، تنصبّ الأنظار إلى «الجهاد الأكبر» على صعيد قانون الانتخاب، وعلمت «البناء» أن «جميع القوى ينكبّ على دراسة القانون الذي يناسبها وتعقد اجتماعات داخلية وشكّلت لجان لدراسة الصيغ المطروحة كافة»، كما علمت أن حزب الله يمكن أن يوافق على مختلط رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لكن لن يوافق على المختلط الذي قدّمه «المستقبل» و«الاشتراكي» و«القوات».
وأكد بري في لقاء الأربعاء النيابي أمس، على أن الأولوية أولاً وثانياً وثالثاُ وعاشراً هي لإنجاز قانون الانتخابات الجديد في أسرع وقت ممكن، مشدّداً على أهمية الوصول الى صيغة تعتمد على النسبية بديلاً عن قانون الستين الذي خبرنا جميعاً سيئاته. وأمل مرة أخرى أن تنجز الحكومة بيانها الوزاري قبل نهاية العام، مؤكداً الاستعداد لعقد جلسة الثقة فور وروده المجلس.
وذكر بري، بحسب ما نقل زواره لـ»البناء» بـ»ما طرحه خلال اجتماعه مع وفد التيار الوطني الحر بإجراء انتخابات على مرحلتين الأولى على مستوى القضاء أي ينتخب المسلمون نوابهم والمسيحيون نوابهم والثانية على مستوى المحافظة على أساس النسبية».
أيرلوت في بيروت
على صعيد آخر، وصل مساء أمس، وزير خارجية فرنسا جان مارك أيرلوت على رأس وفد من الخارجية الفرنسية، في زيارة رسمية للبنان، يقدّم خلالها التهنئة للرئيسين عون والحريري، وكذلك من المقرر أن يلتقي الوزير الفرنسي نظيره اللبناني جبران باسيل اليوم في مقر الخارجية اللبنانية.