المشهد الفلسطيني «الإسرائيلي»: وفاة «حلّ الدولتين» واستبعاد الحرب… فماذا بعد؟
د. عصام نعمان
ما يُسمّى «حلّ الدولتين» وُلد ميتاً، ومع ذلك فإنّ جهتين رفضتا تصديق الواقعة: السلطة الفلسطينية واليمين «الإسرائيلي» العنصري الاستيطاني. ما جرى في قمة واشنطن منتصفَ الأسبوع الماضي هو انّ دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو أعلنا رسمياً وفاته.
اليمين «الإسرائيلي» بشخص زعيمه الأبرز رئيس «البيت اليهودي» نفتالي بينت سلّم أخيراً، بعد قمة واشنطن، بوفاة «حلّ الدولتين» وحرص على توجيه تحية حارّة الى منافسه اللدود «رئيس الحكومة الذي اتخذ هذا القرار الصحيح وأظهر القيادة والجرأة وحصّن أمن إسرائيل وسيادتها».
السلطة الفلسطينية لم تسلّم، بعد، بوفاة «حلّ الدولتين». أعلنت عقب قمة ترامب نتنياهو استعدادها للتواصل مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل إحياء مسار المفاوضات في إطار قرارات الأمم المتحدة. استوقفتها، ربما، إشارة ترامب إلى أنه يتجاوب مع ما يتفق عليه الجانبان «الإسرائيلي» والفلسطيني كحلّ الدولتين او الدولة الواحدة! لكن ما من شيء يدلّ إلى انّ ترامب ونتنياهو اتفقا على إطارٍ محدّد لإحياء مسار المفاوضات. بالعكس، رئيس حكومة «إسرائيل» ذكّر معارضيه المتطرفين جميعاً بقوله: «لو كانوا يعلمون ماذا أقصد بالدولة الفلسطينية ما عارضه أحد من معسكر اليمين». المعارضون «الإسرائيليون» فهموا أخيراً ما كان يقصده نتنياهو. متى يفهم «الموالون» الفلسطينيون؟
المعارضون الفلسطينيون والعرب كانوا يفهمون دائماً ما تريده المؤسسة الحاكمة في «إسرائيل». هؤلاء عبّر عنهم أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير بقوله إنّ «إسرائيل» ترفض بالمطلق قيام دولة فلسطينية، وانّ الولايات المتحدة تؤيدها دائماً في ما تريده او ترفضه، وأنّ ما انتهى إليه نتنياهو وترامب في قمة واشنطن هو الانتقال من ملهاة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين و«إسرائيل» الى مشروع سلام أميركي صهيوني بين «إسرائيل» والعرب. كيف؟
بالبناء على الانفتاح المتنامي بين بعض دول الخليج و«إسرائيل» وتطويره الى تحالف استراتيجي على قاعدة أنّ الخطر الأول الذي يتهدّد دول المنطقة جميعاً هو إيران. ما استبطنه كلام ترامب ونتنياهو في مؤتمرهما الصحافي المشترك كشفته علناً بعد يومين مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هاملي. فقد استنكرت تخصيص جلسة المجلس للتنديد بـ «إسرائيل» طالبةً «الاهتمام ذاته بأخطار أخرى»: حزب الله في لبنان، و«فظاعات» الرئيس بشار الأسد في سورية، وإيران «الراعي الأول للإرهاب في العالم».
ما يسعى إليه ترامب ونتنياهو، إذاً، هو بناء تحالف إقليمي موسّع يضمّ «إسرائيل» والدول العربية المحافظة التي تشترك مع الكيان الصهيوني في اعتبار إيران الراعي الأول للإرهاب وبالتالي الخطر الأول الذي يهدّد دول المنطقة. ويأمل نتنياهو، كما ترامب، بأن يؤدّي التخلي عن «حلّ الدولتين» وترفيع إيران الى مرتبة «الخطر الأول» لتطويق الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» وتعطيل حيثياته وحوافزه ومفاعيله ما يعجّل لاحقاً في تطويق إيران ومشاغلتها اقتصادياً وأمنياً بغية استنزافها وشلّها.
إلى أين من هنا؟
استشعر السيد حسن نصرالله خَطراً باحتمال أن تخطئ «إسرائيل» في قراءة مفردات الصراع المحتدم وموازين القوى في المنطقة، ولا سيما في لبنان وسورية والعراق واليمن، فتُقدِم على شنّ حرب استباقية على أطراف محور المقاومة في لبنان وسورية وغزة في سياق مخطط أميركي صهيوني لتصفية قضية فلسطين، وإعادة رسم خريطة سايكس – بيكو على نحوٍ يؤدّي الى اختلاق كيانات قبلية ومذهبية وإثنية في منطقة الهلال الخصيب من شأنها الفصل بين دوله وإيران وإضعاف هذه الأخيرة.
هذا، على الأرجح، ما حدا بالسيد نصرالله الى تذكير «إسرائيل» مجدّداً بمخاطر شنّ حربٍ استباقية بوجود خزانات الأمونياك في برّ حيفا وبحرها، مضيفاً الى قائمة المخاطر احتمال ردّ المقاومة بقصف مفاعل ديمونا النووي وما ينجم عن ذلك من كوارث تُصيبها تحديداً.
«إسرائيل» تُدرك هذه المخاطر الأمر الذي يرجّح إحجامها عن المغامرة بحربٍ قد تتسبّب بتدميرها وربما بإنهاء كيانها. غير أنّ إدراكها المخاطر الكارثية للحرب لن يجعلها تصرف النظر عن استثمار فرصةٍ تراها متاحة من حولها، أبرز مظاهرها:
انقسام الفلسطينيين وتشرذمهم.
استشراء الإرهاب في سورية والعراق ومصر واليمن وليبيا والدمار الهائل الذي ألحقه بها بشراً وحجراً وشجراً.
استشراء الفتنة السنيّة الشيعية في عالم العرب ما أدّى الى تغليب العصبيات المذهبية على الهوية العروبية الجامعة.
انجراف بعض الدول العربية المحافظة في حمأة الدعوة الى اعتبار إيران، ل ا «إسرائيل»، الخطر الأول على كياناتها ومصالحها، ونزوعها الى الانفتاح على «إسرائيل» كحليف فاعل في مواجهة الخطر المشترك.
انخراط الولايات المتحدة في المخطط القديم الجديد الرامي الى تصفية القضية الفلسطينية في إطار إقامة تحالف عريض عربي «إسرائيلي» عنوانه الرئيس أولوية خطر إيران على دول المنطقة جميعها.
كلّ هذه الواقعات والتطورات والاعتبارات قد تدفع «إسرائيل» الى الاستعاضة عن خيار حربٍ يستبعدها توازن الردع الراسخ بهجمات عسكرية شديدة ونوعية في كلّ من لبنان وغزة لتحجيم قدرات حزب الله وحركة «حماس»، ومحاولة تطويق تحالفهما الميداني المأمول وإضعاف دورهما الإقليمي البازغ، وبأن ترفد هذه الهجمات بعمليات استيطانية واسعة لتهويد ما تبقّى من الضفة الغربية والقيام باختراقات سياسية واقتصادية وازنة مع بعض الدول العربية المحافظة.
هل تردّ قوى المقاومة العربية، ولا سيما حزب الله وحماس على هجمات «اسرائيل» العسكرية والإستيطانية بعمليات عسكرية «ومعلوماتية» نوعية فائقة الفعالية في عمق فلسطين المحتلة أو على مصالح إسرائيلية في الخارج؟ هل تُسهم إيران، بشكل او بآخر، في عمليات الردّ؟ كيف تردّ السلطة الفلسطينية على استهداف غزة عسكرياً والضفة استيطانياً؟ هل تنتصر لغزة بدعم تيار المقاومة الشعبية في الضفة وبالتخلي عن اتفاق التنسيق الأمني مع «إسرائيل»؟ هل تنتقل من التركيز على «حلّ الدولتين» إلى دعم خيار الإرهاص بجدوى الدولة المدنية الواحدة كردّ سياسي وعملي على سياسة «يهودية الدولة» في «إسرائيل»؟ ثم، كيف تتصرف مصر حيال هذه التطورات والتحديات في سياق سياسة الرئيس عبد الفتاح السيسي الرامية الى إحياء دور بلاده عربياً واقليمياً؟
أسئلة كثيرة تنهض بعد ارفضاض قمة ترامب – نتنياهو وخطاب السيد حسن نصرالله…
وزير سابق