الكتابة كفعل حياة
سلوى عبّاس
كثيراً ما يلحّ علينا السؤال حول الكتابة وماهيّتها وجدواها. لماذا نكتب؟ وهل الكتابة فعل تحدّ للخوف القابع في دواخلنا؟ أم أنّها حالة تعويض عن ذات ضائعة نؤكّدها بالكتابة؟ هل هي حالة بوح؟ أم حالة خلاص من مشكلة أو أمر ما؟
هذه الأسئلة تحمل إجابات متعدّدة تختلف مع اختلاف رؤية كلّ شخص للكتابة. فالبعض يرون أنّ الكتابة قد تكون ذلك كلّه، وربما لأنَّنا قرأنا نريد أن نكتب، ربما لأنّ التعبير يدفعنا إلى الكتابة، وفي الوقت ذاته عندما تتزامن الكتابة مع ظرف تاريخيّ يعيشه المرء، فإنّ هذه الكتابة ستصبح ناطقة بالبيئة والظروف التي يعيشها الكاتب.
ففي المرحلة الأولى تكون الكتابة تلقائية، وربما لا يطرح الكاتب على نفسه سؤالاً لماذا يكتب؟ لكن في مرحلة لاحقة عندما يبدأ الوعي متجاوراً مع الكتابة تبدأ الأسئلة التي تخصّ الحياة اليومية. ومع النضج والوعي أكثر بالكتابة قد تصل إلى الأسئلة الخالدة، الأسئلة الوجودية، وهنا يخطر السؤال: هل دور الكتابة أن تعكس الواقع وتصوّره؟ أم أنها تسعى إلى ما هو أفضل؟ ولكن حتى وهي تسعى إلى ما هو أفضل، كيف للكتابة أن تكون بناءً لهذا الواقع المرتجى؟ بمعنى أننا لا نستطيع التعبير بواقعية مباشرة عن الواقع.
ودور الكتابة أن تنظر إلى التفاصيل والخفايا الموجودة في الواقع وإلى ما يحرّكه، وأن تنظر إليه بمجمله.
وفي رؤية أخرى، تتعدّد حالات الكتابة. فقد تكون تفريغاً للضغط النفسي والأوجاع التي يعيشها الكاتب. وربما حالة من حالات تحقيق الذات. وقد تكون شاهدة عصر، لكن التعريف ـ ربما ـ الأكثر توافقاً مع كلّ ما يمكن أن يُطرح حول الكتابة، أنها فعل الحياة الأكثر كثافة.
ومع تعدّد وجهات النظر حول الكتابة، يحضر السؤال الأهمّ: أين حضور الذات في الكتابة؟ وإلى أيّ مدى تتمتّع هذه الذات بحرّية التعبير عن نفسها؟ وكم يتجلّى الصدق في هذه الكتابة؟ ففي بعض الكتابات نقرأ حالة تجلّ ذاتية مرصوفة بعبارات جميلة منمّقة ومعبّرة، لكن في حالة بحثنا عن الحضور الحقيقي لهذه الذات نرى أن ما كتب من كلام في واد، والشخص صاحب الكتابة في وادٍ آخر، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على الانفصام الذي يعانيه الإنسان بين ذاته وبين ما يكتب. وبالتالي ينسحب هذا على ما ينتج من أفعال، فالكتابة فعل مقرون بالمسؤولية بالدرجة الأولى، وكلّ كلمة تصدر عنّا يجب أن نتمثّلها فكراً وسلوكاً لتكون تعبيراً حقيقياً عن مكنوناتنا وأفكارنا. فالذات الكاتبة هي نفسها الذات الشخصية، يجب أن تتّحدا في رؤية واحدة، وهنا لا أوافق من يبرّر مسألة الاختلاف بينهما، لأن فعل الكتابة ليس إلا ترجمة لما يدور في خلد الذات الشخصية من أفكار ورؤى وقيم. وإذا لم نتمثلها بسلوكنا وممارساتنا، فإننا ولنعترف بجرأة ـ نعاني من حالة انفصامية تعكس الشرخ الذي نعانيه على صعيد الحياة ككل. فإن لم تكن كتابتنا مرآة صادقة لذواتنا فإن كلّ ما نسطّره على الورق يحتاج منّا إلى وقفة نراجع من خلالها أنفسنا ونتاجنا، لتعكس كتابتنا صدقنا وتوافقنا مع واقعنا وما نفكّر ونعيش.