الطلب على إيران… والسماع للمعلم ولافروف
ناصر قنديل
– سوق السياسة والعلاقات الدولية لا تختلف بقوانينها عن أسواق التجارة، إلا عندما يتصل الأمر بالدول التي تسيّرها القيم، والمبادئ والأخلاق إضافة الى لغة المصالح، والحديث عن لغة المصالح كقوة محركة للسياسة ينقسم بين مدرستين كلاهما تحركها المصالح، لكن الأصل هنا هو هل تتحقق المصالح للدول مهما عظم شأنها وزادت مصادر قوتها المادية، بلا تحالفات وبلا رأي عام يساندها؟
– ها هي أميركا رغم كلّ ما بين يديها، تخسر حربيها في العراق وأفغانستان، وتعترف بأنّ السبب سوء إقامة التحالفات وسوء إدارة العلاقة بالرأي العام، وكليهما مرتبط بالرؤية والموقف والقيم والعناوين والإعلام والمضامين، فالإثبات أنّ القضايا التي تعبّر عن المصالح وتختزنها تعبّر عن قيم سامية وعن التزام إنساني قانوني صادق ومستقيم، كما إثبات الصدقية في المواقف والصدقية في التحالفات، مصادر قوة مباشرة بما تلعب من أدوار في بناء رأي عام مساند للسياسات المعبّرة عن المصالح، وما تنجح بحشده من تحالفات حول هذه السياسات، ولأن الرأي العام والتحالفات ذاكرة وسيرة، يصير التاريخ شريكاً في صناعة أسباب القوة لتحقيق المصالح.
– السياسة مصالح صحيح، لكنها أيضاً قوة تحقق المصالح، ومتى فقدت المصالح والسياسة الغطاء القيمي وفقد صاحبهما الصدقية، فقدت السياسة والمصالح أكثر من نصف اسباب القوة وبالتالي أسباب الفوز.
– روسيا تقف مع سورية وإيران ولا تساوم، وسورية رفضت المقايضة على علاقتها بالمقاومة وإيران لتفادي ما تعرّضت له من حرب، وإيران ترفض البيع والشراء من وراء ظهر سورية وروسيا، ليس بداعي القيم فقط بل بداعي المصالح، ليس لأنّ كلاً من أطراف المثلث يدرك أنّ أحد أسباب قوته الضمنية يتأتى من شريكيه وحسب، بل لما هو أهمّ، وهو الإدراك أنّ قوة كلّ من هذه الأطراف في العمق تتأتى من الثقة التي يشعر بها كل منهم بثبات وصدقية حليفيه، ومن الثقة التي يملكها الرأي العام بمطابقة مواقفه لمنظومة القيم التي يعلنها، فالثقة بدرجة ثبات سورية مع المقاومة كخيار، كالثقة بتمسك روسيا بالقانون الدولي وتحقيق التوازن في العلاقات الدولية، كالثقة بالتزام إيران بفلسطين وإقامة نظام إقليمي مستقلّ عن الهيمنة الخارجية، وليست هنا إمكانية للمقارنة بالثقة بالتزام أميركا بالديمقراطية بينما حليفها الأبرز هو السعودية، أو التزامها بحقوق الإنسان وحليفها الأشدّ أهمية هي «إسرائيل»، وفي التحالفات الثقة بأنّ أحداً من أطراف المثلث الروسي السوري الإيراني لا يبيع حليفيه، لا تشبهها أبداً الثقة بتمسك واشنطن بحلفائها، والمثال حاضر مصير شاه إيران وحسني مبارك وزين العابدين بن علي.
– يتفوّق المثلث الروسي – السوري – الإيراني بمصادر القوة هنا، وبالتالي يحسن الخوض في السياسة بمفهوم أنها تعبير عن المصالح، لكن بما تختزنه المصالح من معنى عميق، عندما نقول مصالح الشعوب والأمم وليس المصالح الضيقة لشريحة حاكمة.
– لذلك في نيويورك الطلب على إيران والسماع للمعلم ولافروف، وإذا كان السماع للافروف تحصيل حاصل فالسماع للمعلم عبرة في علم السياسة، فالسعودية تلهث وراء إيران وفي بالها اليمن، وتدفع الرئيس تمام سلام إلى خطب ودّ إيران وفي باله الرئاسة، وواشنطن تركض وراء إيران وقضيتها الملف النووي والتعاون في الحرب على «داعش»، وبريطانيا تستعجل الحديث مع إيران وهمّها أمنها وملفات الجهاديين الذين يقاتلون في سورية والعراق من أصول بريطانية، وأرشيفهم يمكن لإيران ان تحصل عليه من حلفائها، واليابان تريد تنسيقاً مع إيران لعقد نفطي طويل، وألمانيا تريد شراكة لإنشاء خطوط غاز إيرانية.
– يتحدث وزير خارجية سورية وليد المعلم فينصت الحضور، ويكتب المقرّرون نيابة عن رؤساء الوفود، الذين يخرجهم الكيد من القاعة بداعي عدم الرغبة بالسماع، بينما أقلام معاونيهم تتراكض لتكتب ملاحظات وملخصات، وهم في غرف جانبية يحضرون على الشاشات النقل المباشر.
– الاهتمام بكلمة المعلم والموعد مع ظريف متشابهان، فهنا معجزة صمود دولتين تجمّعت عليهما كلّ أسباب العدوان والحصار لسنوات، وقدّمت كلّ منهما نموذجاً فريداً للإبهار، فإيران قدمت إعجازها وإنجازها النووي كثمرة لسنوات الحصار، وقوتها الإقليمية التي لا يمكن تجاهلها كضرورة لبناء الاستقرار، وسورية قدمت حكاية بطولة شعب وجيش يقاتلان بلا كلل ولا ملل سنوات متواصلة كل الدنيا، ويسجلان الانتصارات.
– السياسة مصالح، لكن النصر في السياسة أخلاق وقيم.