بريطانيا تبدأ اليوم مفاوضات بريكست
تبدأ بريطانيا اليوم مفاوضات تاريخية للخروج من الاتحاد الأوروبي، بعد انتخابات تشريعية أضعفت الحكومة، وفيما لا تزال البلاد في حداد على ضحايا الحريق الهائل في برج سكني في لندن.
ويتوجّه وزير بريكست ديفيد ديفيس إلى بروكسل للقاء كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه من أجل إطلاق مفاوضات خروج معقدة، يتوقع أن تستمر أقل من سنتين، حاملاًً رسالة مفادها أنه «لا شك» في خروج بريطانيا.
وبعد أيام من إشارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى أن «بريطانيا ما زال بإمكانها أن تختار البقاء»، قال ديفيس: «إنه لا تراجع عن خطة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، للخروج من الاتحاد وهو ما صوّت عليه البريطانيون في استفتاء قبل نحو عام».
وقال ديفيس في بيان «يتعيّن ألا يكون هناك أيّ شك، وأنا في طريقي إلى بروكسل لبدء محادثات الخروج، في أن بريطانيا ستترك الاتحاد الأوروبي وتنفذ نتيجة الاستفتاء التاريخي».
وأضاف «ترك الاتحاد الأوروبي يعطينا فرصة صياغة مستقبل مشرق جديد لبريطانيا، مستقبل نكون فيه أحراراً في التحكم في حدودنا وسن قوانيننا ونفعل فيه ما تفعله الدول المستقلة ذات السيادة».
وبين ديفيس، الذي كان من الداعين البارزين للخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء، «أنه سيتعامل مع محادثات الخروج بشكل بناء، مدركاً أنها ستكون صعبة في بعض الأوقات».
وتابع «لن ندير ظهرنا لأوروبا، من المهم أن يسمح الاتفاق الذي سنتوصل إليه بازدهار بريطانيا والاتحاد الأوروبي في إطار الشراكة العميقة والخاصة الجديدة التي نريد التوصل إليها مع حلفائنا وأصدقائنا».
ووضعت الحكومة استراتيجية «بريكست صعب» لخفض أعداد المهاجرين القادمين من الاتحاد الأوروبي على حساب عضوية بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة والوحدة الجمركية.
إلا أنّ تساؤلات بدأت تُطرح بشأن هذه المقاربة عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في حزيران وخسرت بنتيجتها رئيسة الوزراء تيريزا ماي الغالبية التي كان يحظى بها حزب المحافظين.
وبدأ البريطانيون العاديون يشعرون بتبعات بريكست مع ارتفاع كلفة التصدير بسبب تدهور سعر الجنيه والقلق المتزايد لدى الشركات من خسارة أسواق تجارية.
وتمسكت ماي بالسلطة عقب الانتخابات، ولكنها فشلت حتى الساعة في التوصل لاتفاق مع الحزب الوحدوي الديموقراطي في إيرلندا الشمالية من أجل تأمين غالبية تخوّلها الحكم، ما يضعها في موقع ضعيف.
وفاز حزب المحافظين بـ 317 مقعداً في مجلس العموم من أصل 650 مقعداً، وهو بحاجة إلى دعم الحزب الوحدوي الديمقراطي الإيرلندي، الفائز بعشرة مقاعد، لتأمين غالبية ضيقة.
ومن المقرّر أن تقدّم الحكومة برنامج عملها الأربعاء خلال جلسة افتتاحية للبرلمان، ستليها جلسة أخرى في الأيام اللاحقة للتصويت على الثقة.
ورأت الملكة إليزابيث الثانية أنّ حالة من «الكآبة» تخيّم على بريطانيا التي شهدت كذلك ثلاثة اعتداءات «إرهابية» خلال ثلاثة أشهر وحريقاً في برج سكني في لندن قد ترتفع حصيلة ضحاياه إلى 58 قتيلاً.
وساهم ضعف الحكومة البريطانية في تأجيج الانتقادات لمقاربتها آلية الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنّ آمال الناشطين المؤيدين للاتحاد بإعادة النظر في سياسة بريكست لم تحقق أيّ نتيجة حتى الساعة.
وقاد وزير المالية البريطاني فيليب هاموند المؤيد لـ«مقاربة براغماتية»، حملة للمطالبة باستراتيجية بريكست أكثر ليونة تعطي الأولوية للاقتصاد.
ودعا هاموند أمس، متحدّثاً لإذاعة «بي بي سي»، إلى آلية خروج «بلا صدامات» تسمح بحماية الوظائف والنمو من خلال «هيكليات انتقالية».
لكنه شدّد في المقابل على أنّ «تطبيق بريكست يعني الخروج من السوق الموحّدة ومن الاتحاد الجمركي».
من جانبه، شدّد ديفيد ديفيس على أنه «لم يتغيّر أيّ شيء في الوقت الحاضر بالنسبة إلى خط الحكومة».
كذلك دعا أعضاء آخرون من فريق حكومة ماي إلى «مقاربة أكثر شمولية لاستراتيجية بريكست تسمح للأحزاب المعارضة بإسماع صوتها، وتتيح الأخذ بآراء أسكتلندا وإيرلندا الشمالية اللتين صوّتتا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي».
وقالت زعيمة حزب المحافظين الاسكتلندي روث ديفيدسون «إنّ على بريطانيا أن تعطي الأولوية لحرية التجارة ونمونا الاقتصادي».
ومن المقرّر أن تنطلق مفاوضات بريكست اليوم صباحاً بجولة أولى مدتها 90 دقيقة بين بارنييه وديفيس، يليها غداء عمل بينهما يتبعه مؤتمر صحافي.
وستركز فرق العمل على ثلاثة مواضيع رئيسية هي «وضع الرعايا الأوروبيين المقيمين في بريطانيا، فاتورة طلاق بريطانيا مع الاتحاد، ومصير الحدود بين إيرلندا الشمالية وإيرلندا العضو في الاتحاد».
وليس هنالك اتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن تراتبية المواضيع، مع إصرار لندن على «مناقشة مستقبل العلاقات التجارية بالتوازي مع مناقشة الطلاق»، الأمر الذي ترفضه بروكسل.
والمفاوضات تعتبر الأكثر تعقيداً في تاريخ بريطانيا لا سيما أنها تسعى لتفكيك عضوية 44 عاماً في الاتحاد، وأثار تلويحها بالخروج بدون التوصل لاتفاق قلق العواصم الأوروبية.
واعلنت الحكومة السبت أنّ «البرلمان سيعقد دورة خاصة على مدى سنتين تنطلق هذا الأسبوع لتمكينه من تعديل تشريعات الاتحاد الأوروبي».
وجاء في بيان الحكومة «سنبني أوسع إجماع ممكن حول خططنا لبريكست، ما يعني منح البرلمان أطول وقت ممكن لمراجعة هذه القوانين عبر فتح دورة برلمانية لسنتين».
ويتوجّه وزير التجارة ليام فوكس اليوم إلى واشنطن في «محاولة لاستكشاف إمكانيات إقامة روابط تجارية جديدة»، على الرغم من أنه لا يمكن إطلاق أيّ مفاوضات رسمية قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لكن قبل إغلاق باب الاتحاد الأوروبي، كشف استطلاع للرأي أجراه معهد «سورفيشن» وصحيفة «ميل أون صنداي» أنّ 53 من البريطانيين يؤيّدون التصويت على الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه.