اجتماع قمة العشرين في هامبورغ
زياد حافظ
انصبّ الإعلام العربي والدولي في متابعة قمّة العشرين التي انعقدت في هامبورغ في 7 تموز/ يوليو 2017 على اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب. لا نقلّل أبداً من أهمية اللقاء، ولكن في رأينا ما هو أهمّ من اللقاء المظاهرات التي سبقت ورافقت انعقاد القمة ودلالاتها. كما أنّ اللقاء الذي حصل على هامش القمة بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الصيني جاء ليعزّز قمة العشرين التي عُقدت العام الماضي في هانغ زوو. اللقاء الذي بدأ قبل يومين من انعقاد القمة في موسكو أكّد فيه الطرفان على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين وتعزيز طريق الحرير، أيّ المشروع الأوراسي الذي يربط روسيا والشرق الأوسط وشرق آسيا مروراً بالهند. كما تمّ الاتفاق على صفقات إضافية بالمليارات من الدولارات. بنظر المراقبين الدوليين كانت قمة هامبورغ باهتة بالمقارنة مع قمة هانغ زوو بسبب الارتباك الذي سبّبته المظاهرات.
قمة هانغ زوو استطاعت أن تطرح موضوع التنمية وموضوع مشاركة أطياف المجتمعات، بينما التركيز في هامبورغ كان على قضايا أمنية وقضية المناخ والتجارة الخارجية. قمّة العشرين تضمّ ما يوازي 80 في المئة من الناتج القومي العالمي، 65 في المئة من سكان الأرض، 75 في المئة من التجارة العالمية، و80 في المئة من الموارد الطبيعية. تنمية العالم بيد هذه الدول وجميعها منطوية تحت منظومة قوانين السوق والرأس المالية. الفرق في مجموعة «بريكس» التي تصدّرت قمة هانغ زوو هو التركيز على مشاركة الشعوب لتستفيد من التنمية، بينما الاهتمام الغربي هو فقط على النمو من دون الاكتراث بتوزيع عادل لمكاسب النمو والتنمية. صحيح أنّ المستشارة ميركل لمّحت إلى ضرورة إشراك شرائح أكبر من المجتمعات، ولكن ليس من المؤكّد إنْ كانت تتكّلم عن قناعة، أو عن سياسة محكمة، أو تحت ضغط المظاهرات.
المظاهرات الاحتجاجية على سياسات دول العشرين لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة. فهي حلقة في سلسلة طويلة من ظواهر احتجاجية عالمية ضدّ منظومة سياسية اقتصادية مسيطرة على مقدّرات العالم ومسبّبة للويلات لمئات من الملايين من سكّان المعمورة. كما هي تعبير واضح رافض لسياسات العولمة التي طحنت طبقات اجتماعية وخاصة الطبقة الوسطى ركيزة الاستقرار في مختلف المجتمعات في العالم.
المظاهرات عبّرت عن غضب متعاظم يسود شرائح واسعة من المجتمعات الدولية، وبخاصة في الغرب، حيث الفجوات الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم بشكل غير مقبول وتنذر بانفجار شامل. فالعولمة التي روّج لها مفكّرون وناشطون وسياسيون ليبراليون أدّت إلى تراجع السيادة الوطنية في مختلف الدول لصالح هيئات دولية غير منتخبة تفرض السياسات، كما هو قائم في الاتحاد الأوروبي، أو منظمة التجارة الدولية التي تحدّ من القيود على التجارة الخارجية فتتراجع واردات العديد من الدول. فكلّ ذلك يصبّ في مصلحة شركات عملاقة عابرة للقارات والدول ولتجمّعات سياسية اقتصادية منقطعة عن شعوب الدول. وسياسات العولمة أدّت إلى تمركز الثروات في يد القلّة في كلّ دولة وعلى صعيد العالم. ذكر موقع «انفورماشن كليرينغ هوس» الأميركي أنّ ثروة خمسة أشخاص فقط توازي أكثر من 400 مليار دولار أو ما يملكه 750 مليون شخص في العالم! لذلك أكّد البيان الختامي حق الدول في الدفاع عن أسواقها مع مراعاة قرار رفض الحمايات الجمركية.
تتكرّر هذه المظاهرات كلّما تعقد قمة العشرين في أيّ مكان في العالم، وفي كل مرّة تحصل اشتباكات. ما يميّزها هذه السنة أنّها تأتي في ذروة أزمة النازحين والمهاجرين إلى أوروبا وتزايد موجات التعصّب العرقي والتمسّك بالسيادة الوطنية. حتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي أبدت في بداية موجة النزوح ترحيباً بالنازحين، اضطرّت إلى التراجع، بل إلى التشدّد في الإجراءات بحقهم. صعود الأحزاب المتطرٌفة قومياً فرض الانكفاء عن استقبال الوافدين ما يهدّد النمو السكّاني في القارة الأوروبية. فلولا المهاجرون إلى الغرب لتوقّف النمو السكاّني فيه وتهدّدت الحضارة الغربية بأكملها. ما زالت الحضارة الغربية مهدّدة ولكن بوتيرة أقلّ مما تفرضه معدّلات النمو السكّاني في الغرب وذلك بسبب الهجرة إليه. فالنخب الغربية بين مطرقة التراجع في النمو السكّاني واندثار حضارتها في أقلّ من 50 عاماً وسندان الأحزاب المتطرّفة التي لا تريد المزيد من المهاجرين.
الضيق الاقتصادي الذي تعيشه شرائح واسعة من المجتمعات الغربية يعود إلى السياسات التي تقرّ في تلك القمم، كما في قمّة دافوس وسائر محافل العولمة. سياسات التقشّف تعني تخفيض إنْ لم يكن إلغاء تقدمة الخدمات الاجتماعية للطبقات الفقيرة من طبابة وضمان شيخوخة وتعليم. كما أنّ الحديث عن ضرورة «خصخصة» الضمان الاجتماعي بحجة تخفيف الأعباء عن الدولة تهدف إلى إفقار المجتمعات وإخضاع الناس لسيطرة النخب، لتصبح تحت رحمتها. لم تظهر قمة هامبورغ أيّ رغبة عن مقاربة ذلك الوضع، ولا عن حلول يمكن اتخاذها. اكتفت بالتركيز على التمسّك باتفاقية باريس حول المناخ، مع معارضة واضحة لترامب حول ذلك الموضوع، وعلى ضرورة الحفاظ على التجارة الحرّة مع مراعاة ضرورة حماية بعض الأسواق الوطنية. هناك تعارض بين الموقفين ما يدلّ على ارتباك في المقاربة وعدم الرغبة بأنّ السياسة النيوليبرالية قد وصلت إلى طريق مسدود.
الارتباك في الموقف الألماني والنزعة الانعزالية للرئيس الأميركي أميركا أولاً علامتان تنذران بتحوّلات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ما شهدته أوروبا والولايات المتحدة من مظاهر رفض لسياسات النخب الحاكمة بدأت تتوغل في معقل الاتحاد الأوروبي، وخاصة في المانيا. من المبكر التكهّن بأنّ السياسات النيوليبرالية قد تمّ طيّ صفحتها إلاّ أنها لم تعد مقبولة وتواجه معارضات شديدة. النزعة القومية/ الوطنية عند ترامب وعدد من الدول الأوروبية تدلّ على ضرورة إشراك شرائح أوسع في منافع العولمة أو العودة إلى سياسات وطنية محض غير مكترثة لمنظومة العولمة. فهل تستطيع تلك الدول أن تتخلّى عن السياسات النيوليبرالية التي تتناقض مع المقتضيات الاجتماعية؟ على الصعيد النظري لا مكان ولا دور للمجتمع، فالسوق هو السيّد. نذكّر بمقولة رئيسة وزراء المملكة المتحدة الراحلة مارغريت ثاتشر بأنه لا يوجد مجتمع بل مجموعة أفراد. فهل تنتهي هذه الذهنية ويتمّ الاهتمام بالمجتمع ككلّ وليس كحفنة من الأفراد؟ هذا هو جوهر الصراع القائم.
أمين عام المؤتمر القومي العربي