تؤكّد أنّ عودة مهرجانات صور الدوليّة تُعتبر من التحدّيات الكبرى على صعيد الوطن رولا عاصي لـ«البناء»: لا ولن نقع في فخّ التطبيع الثقافي الفنّي مع الكيان الصهيونيّ
حاورتها ـ عبير حمدان
يقترن الفرح بمدينة صور التي لم ينل منها الغزاة يوماً. عروس البحر بما فيها من سحر ونبضٍ وحياة، تفرد قلب آثارها للفنّ الراقي، حيث عادت إليها المهرجانات السنة الماضية، وهذه السنة بعد غياب قسريّ دام خمس سنوات.
خصوصية المكان تتطلّب من لجنة مهرجانات صور الدولية الكثير من الجهد، وهي التي تدرس خياراتها بكلّ عناية حفاظاً على روحية الحدث الفنّي الثقافي الذي يستقطب جمهوراً عريضاً من المغتربين والمقيمين في الوطن.
ومن هنا، تؤكد رولا عاصي، المنسّقة التنفيذية للمهرجانات على أهمية البقاء ضمن الإطار المحدّد للمهرجانات المتمثّل بتقديم الفنّ الأصيل والراقي، احتراماً لذائقة المتلقّي.
وتشير عاصي إلى الإنتاج المحليّ الذي خصّ به الفنان الدكتور جمال أبو الحسن مهرجانات صور لهذه السنة، وحمل عنوان «صور بين الذاكرة والحلم»، عارضاً تاريخها من خلال الموسيقى والصوَر، وختمه بتوجيه التحيّة إلى فنانين كبار غادرونا جسداً وبقي فنّهم راسخاً في جوّانيتنا.
وتتوجّه عاصي بالتحية إلى المقاومين الذين حرّروا الجرود أخيراً مؤكدة أنه لولا وجودهم هناك اليوم وفي الجنوب بالأمس، لما كنّا اليوم نجري هذا اللقاء، ولما كنّا نقيم المهرجانات على امتداد الوطن.
نبدأ مع الاختلاف الذي طرأ على المهرجانات في هذه السنة تحديداً، فتخبرنا عاصي عن الإنتاج المحلي الخاص بمدينة صور، وتقول: كما تعلمون، إنّ هدف مهرجانات صور ثقافيّ وفنّي. والاختلاف هذه السنة يكمن في الإنتاج المحلي الخاص بمدينة صور، وهو الإنتاج الأوّل في هذا المنحى، وسنعمل على تصديره إلى العالم كلّه. وهو برأيي من أروع الأعمال التي جمعت الدكتور جمال أبو الحسن مؤلّفاً وملحّناً مع الأوركسترا السمفونية ومع «كورال الفيحاء». ومن النادر أن تجتمع هذه العناصر في عمل فنّي واحد.
العمل حمل عنوان «صور بين الذاكرة والحلم»، وقد تكلّم عن حقبة الفينيقيين إلى يومنا الحالي من خلال الموسيقى والصوَر التي عُرضت على الشاشات العملاقة، أضف إلى ذلك التحية التي توجّه بها العمل إلى الفنانين الكبار الذين غادرونا جسداً ويبقى فنّهم راسخاً فينا في الربع الساعة الأخير من العرض.
لكن، هل لا يزال هناك جمهور حاضر لمواكبة هذا النوع من الأعمال الفنّية الثقافية، تجيب عاصي: هناك جمهور عريض يواكب ويتفاعل ويفرح بما يشاهده، وصدقيني إذا قلت لكِ إنّ هناك جيلاً شاباً كان حاضراً وتفاعل مع العرض بشكل لافت، وبدا مأخوذاً بحالة التوأمة التي تميّز بها الحفل. ولا ننسى أنّ العودة بعد فترة من الانقطاع ليست بالأمر السهل، وهي نوع من التحدّي. وأنا قلت في هذه المناسبة إنّ في جرود عرسال هناك من يقاوم ليحمينا من الخطر التكفيري الإرهابيّ، وهنا في صور نجهد لنحمي إرثنا وثقافتنا من خلال الفنّ الذي نقدّمه إلى الناس. وطبعاً لولا المقاومين الرابضين على الثغور وفي تلك الجرود لما كنّا حيث نحن اليوم، ولما كنّا نُجري هذا الحوار أيضاً.
أما عن اختيار الفنانين الذين يشاركون في المهرجانات، فتقول عاصي: السيدة رندة بري تحرص على أن يكون لكل الأعمال المطروحة عنوان ثقافيّ وفنّي هادف. هذه المهرجانات لكلّ الفنانين بشرط أن يعمل كلّ فنان على نفسه كي يليق بهذه المهرجانات التي تقام على أكبر ملعب رومانيّ موجود في العالم، وأن يحترم ذائقة المتلقّي لناحية ما يقدّمه من أعمال. ومن هنا تضيق الحلقة من ناحية اختيار الأعمال. وكما تلاحظين، إنّ الفنانين الذين يغنّون وحدهم على المسارح هم قلّة، والاستهلاك بات يشكّل خطراً كبيراً على المشهد الفنّي. وفي ما يتّصل بمهرجانات صور منذ انطلاقتها حتى الآن كنّا موفقين في اختياراتنا وقدّمنا فنّاً راقياً ولائقاً. وهذه السنة قدّمنا العمل الذي تكلّمنا عنه في بداية الحوار، وهناك الفنّ الإسباني مع كارمن موتا، وبعدها هناك ليلة مع الفنان اللبناني وائل جسار، إلى الفنان العالمي الشاب خالد الذي ينتظر حفلته جمهور عريض، وصولاً إلى ليلة الشعر العربي كمحطة ثابتة وكتمّسكٍ منّا بلغتنا التي نعتزّ بها. ولكلّ شاعر حرّيته في الموضوع الذي يختاره بعيداً عن السياسة كون المهرجان عنوانه ثقافيّ بحت. وهذه السنة هناك شعراء من مصر والسودان والعراق وسلطنة عمان ومن لبنان بالتأكيد.
وفي ما يتّصل بعدم الوقوع في فخّ دعوة فِرق فنّية أجنبية قد تكون شاركت في حفلات على الأرضي الفلسطينية المحتلة، تقول عاصي: من جهتنا، نسعى إلى حماية أنفسنا بعدم التواصل مع فنّانين يجاهرون بارتباطهم بالكيان الصهيوني. وكما تعلمين، إنّ خصوصية الجنوب تحتّم علينا التنبّه جيداً لهذه الأمور. فنحن لم ولن ننسى سنوات الاحتلال، وطبعاً لن نقبل بالتطبيع. ولو قال البعض إنّ الفنّ لغةً عالميةً، لكنّ الفنّ لا يُسقط عن المحتل صفاته الاستعمارية الإجرامية.
أما عن إمكانية أن تشهد المهرجانات عملاً مسرحياً لبنانياً عدا فرقة كركلا، فتقول عاصي: تشرفنا بمرور كركلا ضمن فعاليات المهرجانات في سنوات سابقة، ونتمنّى أن يكون هناك عمل مسرحيّ لبنانيّ خاصّ بمهرجانات صور. ولكن حتى الآن لم يبرز أيّ عمل يتلاءم مع تطلّعاتنا. في السنة الماضية دعونا فرقة «إنانا» في عمل مسرحيّ، وقدّمت لنا الفرقة قصصاً نجهلها، حيث تكلّمت عن الملكة «خاتون» التي كانت حالةً في زمانها، وتحدّثت عمّا فعلته من نشر للوعي وسعي إلى تعليم المرأة في مدينة حلب. هذا أمر مهمّ جداً. ومن هنا كانت رسالة الفرقة التي قدّمتها إلى الناس من خلال العرض.
ونسأل عاصي عن دور الإعلام في إنصاف المهرجانات، فتجيب: بكل فخر أقول إنها أنصفتنا، وبكل حبّ أؤكد أنه لولا الصحافة لما كان أيّ مهرجان على امتداد الأراضي اللبنانية قد حقّق نجاحاً. ومن موقعي أتوجه بالشكر الكبير إلى الصحافة اللبنانية التي تواكب الأعمال الفنّية الراقية وتوصلها إلى العالم.
وختمت عاصي حديثها إلى «البناء»، بالإشارة إلى أنّ مهرجانات صور الدولية تُنقل إلى المغتربين والدول الأوروبية عبر «اللايف سكرين».