تنسيق الجيشَيْن حاصل ولو بِصَمْت الضرورة
إيمان شويخ
الأزمة السوريّة التي لم تبعد لبنان عن شرارتها فرضت تنسيقاً واسع المدى بين الجيشَين اللبناني والسوري على الرغم من الأصوات المعارضة من الداخل والخارج، والسؤال هل تُخضع معركة جرود عرسال الأخيرة والقاع ورأس بعلبك اليوم هذا التنسيق، الذي يتعدّى مجرّد التعاون اللوجستي كترميم آليّات لبنانيّة في مشاغل الجيش السوريّ، خصوصاً ذات المنشأ الروسي، وصولاً إلى تبادل معلومات بين أجهزة المخابرات، ولو كان ضروريّاً، ومن يقع على عاتقه اتخاذ القرار بالتنسيق لبدئه وما مدى جديّته؟
الخبراء العسكريّون يعتبرون أنّ مسرح العمليات يحتاج إلى تنسيق كامل بين الجيشَيْن، حيث يتواجد «داعش» في ثلثَيْ المناطق السوريّة المتمثّلة بجرود الجراجير والقارة، فيما يتواجد في ثلث الداخل اللبناني في القاع ورأس بعلبك، ما يعني أنّ وجود الجيش السوري هو أمر ضروري لتحرير هذه المناطق من الإرهابيّين.
وعن حديث البعض عن جدّية التنسيق من عدمه، يتكشّف من الوقائع الميدانيّة التنسيق المباشر، حيث يتزامن تقدّم قوّات المشاة من وحدات الجيش اللبناني مع الطيران السوريّ الذي يقوم بدكّ مواقع «داعش»، وهذا يشير إلى التنسيق حتى لو لم يكن علنيّاً، وربما يقوم حزب الله بالتعويض عن التنسيق بين الجيشين، لأنّ مسرح العمليّات الذي يقوم على التحرّك لا يمكن أن يكون إلّا بالتنسيق.
سياسيّاً، وفيما تعلو بعض الأصوات وتكابر وتستعمل الخطاب الانتخابي لاسترضاء جماهيرها، يبدو واضحاً من خلال مجلس الوزراء أنّ هناك قرار تنسيق بين الجيشَيْن، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقائد الجيش العماد جوزيف عون يتابعان عن كثب سير المجريات من خلال غرفة العمليّات، كما أنّ الحكومة برئيسها تؤيّد هذا التنسيق.
في شتّى الأحوال، فإنّ الطبيعة الجغرافيّة للأرض التي تدور فيها المعارك تحتّم تواجد الجيشين، فلا يمكن الحديث عن انسحاب «داعش» من دون ضغط هجوم الجيْشَيْن للحؤول دون حدوث مفاجآت غير محمودة وتأمين انسحاب الإرهابيّين.
دوليّاً، لا يغيب التحالف الدوليّ عن المعركة، والذي يؤيّد بقوّة محاربة الإرهاب، فمنذ بدء المعركة يقوم الطيران السوريّ والروسيّ بقصف مواقع «داعش»، وفي مواقع مختلفة، بينما يقوم الطيران الأميركي ودول التحالف بقصف تواجد التنظيم في مناطق أخرى. وتقول مصادر عسكريّة مطّلعة، إنّ منطقة الحدود اللبنانيّة السوريّة ضمن التنسيق الروسيّ الأميركيّ هي منطقة عمليات لروسيا وحلفائها، ما يعني حتميّة الاستعانة بالطيران السوريّ لدعم الجيش اللبنانيّ إذا أراد لبنان، كما تقول الحكومة أن يكون ضمن القرار الدوليّ بمحاربة «داعش»، بغضّ النظر عن جهة وقرار التنسيق من عدمهما. وبالتالي، فقرار محاربة الإرهاب هو قرار دوليّ يحظى بالإجماع على الرغم من الأصوات المعارضة، فضلاً عن تأكيد دوليّ بدعم الجيش اللبناني للقيام بمهامّه في هذا الصدد.
الوقت الدّاهم يضغط لحسم الارتباك السياسيّ والعسكريّ أمام التنسيق، والحاجة العسكريّة ضاغطة بالموازاة، وتبادل المعلومات عن سير المعارك والخطط الجغرافيّة والناريّة للقتال سوف لن يكون التنسيق الوحيد الذي سيتمّ بين الجيشَيْن، وفي نهاية المطاف سيحدّد سير المعركة حجم التصاعد وفقاً للضرورات وما تقتضيه، وسيكتشف المعترضون لحسابات خاصة أنّ الأميركي الذي يخشون عتابه أو تحفّظه إذا نسّقوا مع الجيش السوري يقف على خط مختلف لضرورات المعركة، وأنّ الاستعانة بحزب الله كوسيط مع الجيش السوريّ أحياناً يلقى اعتراضاً أكثر من التنسيق نفسه، فواشنطن لم تعد لها قضيّة مع الجيش السوريّ، بل القضيّة هي مع حزب الله.