هل يتجاهل العالم قرار ترامب باعتباره فاقد الأهلية…!
محمد ح. الحاج
ربما هناك من يبحث عن مخرج للورطة التي وضع الرئيس الأميركي العالم بها وقبل الجميع سلطات العدو في الأرض المحتلة، وربما ينطبق على فعلة ترامب قول بعض العجائز في ريفنا «مجنون رمى حجر بالبير، مائة عاقل ما عرفوا يطالعوها».
تراودني منذ لحظة نجاح ترامب فكرة أنه جاء بالأحرى جيء به لأمر ما، وأنّ المنظمة الصهيونية العالمية عملت المستحيل لإيصاله واستثمار نوبات خروجه على العقل والرصانة السياسية التي يجب أن يتحلى بها رؤساء الدول وخاصة الكبرى منها باعتبارها مسؤولة عن الأمن والسلم العالميين.
ترامب، رجل الأعمال وصاحب الثروة، وهو في نفس الوقت صاحب الأمزجة الغريبة والهوايات الأبعد عن عالم السياسة، يفاخر بالقوة والمصارعة، ويتابع برامجهما حضورياً أو عبر الشاشة، وهو بلا شك لا يعرف شيئاً عن جغرافية العالم ولا المشاكل التي يعانيها، ولا يتأثر مطلقاً بما يحدث بعيداً عن عالمه الخاص وربما الولاية التي يعيش فيها، والأرجح أنّ ترامب تقدّم لخوض المعركة السياسية بتشجيع سري من منظمة «ايباك»، وبعض مراكز الأبحاث المتخصّصة والمرتبطة، كانت الاستطلاعات تشير إلى تقدّم الديمقراطية هيلاري كلينتون بفارق كبير، وكان ترامب يدرك أنه الخاسر لكنها تجربة على كلّ حال، «ايباك» والمنظمة التي تقف خلفها ومنذ البداية كانت تخطط وتعمل لوصوله على أن لا يعلم إلا في اللحظات الأخيرة وبعد أن يعرض عليه الالتزام بالاعتراف باقدس عاصمة للكيان وبنقل السفارة الأميركية إليها فعلاً لا قولاً، وأقنعوه أنها اللحظة المناسبة طالما أقرّ الكونغرس نقل السفارة منذ سنوات، وبعد نجاح تفكيك العالم العربي وتفخيخ دوله، وتصوير الإسلام والدول الاسلامية على أنها العدو الأخطر، وفي نهاية الحملة الانتخابية، قبل أيام قليلة تماماً بدأت تنقلب الماكينة الانتخابية التي كانت كامنة وهي التي تسيطر على عملية الترجيح، هكذا خسرت كلينتون وفاز ترامب واقتصرت المفاجأة على بعض دول العالم وكان العرب أولها وهم الذين راهنوا على الديمقراطيين ومرشحتهم كلينتون… لقد جيء بترامب ليتخذ القرار الذي لم يجرؤ مَن قبله على اتخاذه.
بعد بوش الأب لم يصل رئيس إلى سدة الحكم إلا وتضمن برنامجه وعداً بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والعمل على حلّ القضية على أساس الدولتين، ومقابل عدم إنجاز الوعد بإقامة الدولتين تمّ تجاوز الوعد بنقل السفارة إلى القدس، وكان الأرجح أنّ هؤلاء الرؤساء رغم صِلاتهم الوثيقة وتأييدهم المعلن لدولة العدو والحرص على تحقيق مصالحها فقد أخذوا بالحسبان ردود فعل دول العالم الإسلامي وحتى العربي تحت ضغط شعوبهم وتأثير هذه الردود على مصالح الولايات المتحدة حال تفعيل توصيات الجهات المعنية السلطة الفلسطينية الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي رغم أنّ التفاؤل لن يبلغ بأحد من المراقبين والمتابعين فيصدّق أنّ توصيات هذه الجهات قد تصل إلى درجة إلحاق الأذى بالمصالح الأميركية وقبلها الصهيونية.
لقد جاء موقف وزراء الخارجية العرب دون مستوى المسؤولية والاستجابة لمطالب الفلسطينيين والشعوب العربية، عدا الموقفين اللبناني والعراقي، ونتابع في هذه اللحظات وقائع المؤتمر الإسلامي في تركيا والذي يبدو للمتابع أنّ اللهجة مرتفعة الحدّة والمطالب الإفرادية للخطباء لا تنسجم مع المعهود من مواقفهم الواقعية، وربما لا تأتي التوصيات أكثر فاعلية من نتائج المؤتمر الأعرابي، ولن يكون هؤلاء ملكيين أكثر من الملك ذاته.
لم تنتظر الجماهير الشعبية الفلسطينية الأوامر أو التوجيهات فقد اندفعت بعامل الغضب من القرار وعدم مشروعيته في إعطاء مدينة أصيلة بشعبها وأصحابها إلى جماعات أقامت كياناً اغتصابياً على جزء كبير من أرض فلسطين، فكانت إقامة دولة غريبة بخطاب ووعد غادر ممن لا يملك لمن ليس له حق، كما انتشرت التظاهرات والاحتجاجات في طول العالم وعرضه، وحتى في الساحات الأميركية، ربما يستغربها ترامب لكن أقرانه ومن حوله ومن سبقوه يدركون أنها ستقوم، وقد تنقلب إلى صدامات واسعة في كلّ دول العالم ما بين المحتجّين وبين السلطات التي يرتبط أغلبها بعلاقات التبعية مع النظام الأميركي وهو في الحقيقة نظام عالمي سري يطمح إلى إعلان نفسه حكومة عالمية يقودها المحفل الأعظم الماسوني وقادته أغلبهم من اليهود الأساتذة حسب نظام المحافل.
دول العالم الإسلامي ومعها دول من العالم العربي ستكون ملزمة بالبحث عن وسائل لتهدئة الاحتجاجات، وتنفيس الاحتقان، بل امتصاص الفورة الجماهيرية بطرق وخطط تضعها مراكز الأبحاث وتقدّمها كمشورة، وقد تقوم حروب جانبية تحت أيّ شعار لصرف الأنظار عما يحصل، وما قد ينجم عن تطوّر الحراك الشعبي الفلسطيني إلى حرب داخل الكيان تدعمها دول الجوار ولن تخرج أيّ من المنظمات عن سياقها بما في ذلك منظمة فتح، وستكون النتيجة انهيار تامّ للسلطة والعودة إلى ما قبل اتفاقية أوسلو، فهل يقف العالم متفرّجاً على نتيجة ما فعله ترامب أم سيكون المخرج إعلان أنّ قراره غير مسؤول واعتبار أنّ الرئيس فاقد الأهلية وأنه لم يستشر مؤسّساته المختصة، وربما وهذا من غير المرجّح أن تعلن سلطات كيان العدو أنها لن تقوم بتطبيق قرار ترامب بل تؤجّله إلى زمن غير محدّد، أو أن تكون الذريعة عدم جاهزية مدينة القدس لاستيعاب السفارات…!
نتائج القمة الإسلامية في اسطنبول:
الولايات المتحدة الأميركية لم تعد وسيطاً نزيهاً، وقرار ترامب غير شرعي وغير قانوني، هذا ما قاله الرئيس الفلسطيني تواً وفي نهاية المؤتمر الإسلامي…
قرار ترامب لا تأثير له، القدس مدينة محتلة بموجب القانون الدولي، وعلينا أن نبحث عن وسيط جديد بين الفلسطينيين و «إسرائيل»…! هذا ما قاله أردوغان.
من نتائج المؤتمر الاعتراف الكامل بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا يعني بشكل ما العودة إلى قرار التقسيم مع تعديلات لصالح الكيان الصهيوني.
بعض الخطباء ومنهم أردوغان قالوا إنّ الولايات المتحدة تعمل للمصالح الصهيونية فقط ولا تأخذ بالحسبان مطالب وحقوق الفلسطينيين…! وكأنهم يكتشفون الموقف الأميركي لأول مرة.
فلسطين ستتوجه إلى مجلس الأمن، والجمعية العامة والمحكمة الجنائية الدولية، وقد تردّدت هذه التهديدات قبل زمن طويل، قبل اتفاق أوسلو، وبعده، ولم ينتج عن ذلك أيّ مكسب للجانب الفلسطيني…!
من حقنا التساؤل هل جاء قرار ترامب لخلط الأوراق والحصول على قرار جماعي عربي إسلامي الفلسطينيون ضمناً يتضمّن القبول بدولة مجردة من السلاح على مساحة 22 من أرض فلسطين التاريخية دون حق العودة ونصف مدينة كعاصمة، هذا يتجاوز شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر الذي تقول به منظمات فلسطينية ومعها جبهة المقاومة الممتدّة من طهران إلى بيروت؟
نتائج مؤتمر القمة الإسلامية لن تتجاوز هذا الواقع ولن تتبنّى أكثر مما يطالب به بعض العرب وبعض الفلسطينيين رغم اعتراض دول من بينها العراق ولبنان رفض التوطين في مؤتمر الجامعة العربية، وإيران في المؤتمر الاسلامي، وفي كلا المؤتمرين سورية غائبة وهي صاحبة الحق والأولى بمناقشته وقبوله أو رفضه… هذا الحق الذي جرّدتها منه الدول العربية المتآمرة حين حصرت حق تمثيل الفلسطينيين بمنظمة التحرير!
أعتقد أنها ليست النهاية، فلن تسير الرياح كما تشتهي السفينة الصهيونية، ولا الأميركية، ولو بموافقة الأعراب والإسلاميين… هؤلاء ليس من حقهم تجاوز أصحاب الحق الذين لا ثقة لهم بنتائج أيّ مؤتمر قياساً على ما سبق من مؤتمرات وما تمّ تنفيذه من مقرّراتها بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة.
ترامب المهزوز رمى الحجر الكبير في بئر دولية، ويبدو أنّ كلّ المراهنين على خيار التفاوض لن ينجحوا بانتشالها…؟