ورد وشوك
ورد وشوك
كالأطفال في حضنها ألقيت رأساً، أشكو ألماً ألمَّ به استنفذت معه كل محاولة في الردع.
ألم أبكاني على المهدئات مستعصي، يضرب رأسي كأنّه معول يحاول بلوغ تلافيفه ليهدم مركز الحسّ، ويمسح كلّ ما هو محفوظ فيه من ذكريات المضحك فيها أكثر بكثير من المبكي، على عكس واقع نعيشه اليوم بكلّ أسف.
احتضنتني بخوف ما بعده خوف ولسان حالها يقول ليت وجعك محلّه رأسي. برقّة دسّت أصابعها في ليل شعري تحرّك خصلاته وكأنها تعزف على أوتار قلبي. فأحسّ بنبضها يشيع دفئاً في كلّ أنحاء جسدي المتعب.
إحساس يعجز التعبير عنه قلمي، تسليم بالقضاء والقدر، أمان لا يعقبه وجل. أجزم أنّني لن أحسن بيان ماهيته مهما بذلت من جهد.
بهمس قالت: بهدوء استرخي يا أميرتي.
لن نقوى على الصمود في وجه الألم بعصب مشدود معلنين له التحدّي. لا بدّ من مراوغته، نتناساه قليلاً ليكون العلاج مجدياً.
راحت بيدها الأخرى تربّت على كتفي وكأنها تدفعني دفعاً إلى النوم. فإذا بالحلم يأخذني في جولة أستحضر فيها درس الموسيقى الأثيرة لديّ في معهد أمضيت فيه جلّ طفولتي. أنصت كعادتي لأستاذ عشقت عزف أنامله ألحان ياني، أطير معها بين العلامات الموسيقيّة وأدندن كلمات بفرح، فيسكت العزف ليسمع بالغناء صوتي. أذوب خجلاً وأركض لأختبئ خلف غيمات النغم.
جرعة السحر والسعادة تلك كانت عندي أهمّ من دروس مدرستي في الحساب واللغة العربية ومن مشاكسات أخوتي التي كانت تحسم دائماً لمصلحتي. فأنا المدلّلة آخر حبّات العنقود بحسب قول أمّي. وطلباتي مجابة من الجميع من كلّ بدّ.
فتحت عينيّ لأرى أمّي تبتسم. أدركت كم مضى من الوقت وهي مسمّرة في جلستها، خوفاً أن تحدث حركتها انقطاعاً لغفوة كنت لها من الدواء أحوج. ورحت أعتذر وأروي ما رأيته في حلمي.
قالت: كم كنت مستمتعة وأنا أحضن بك ما فات من عمري، بكلّ ما تحقّق فيه من إنجازات أهمها أنتم يا بعضي، في حلم يقظة دعوتني إليه من دون أن تدري. لنتفق إذاً يا حبيبتي، لا ضير بعد اليوم من بعض الألم يعيننا دائماً على الشكر لله والحمد، فكلّ ما نحن عليه هو قدر بالصبر والتصابر قد نصل إلى الفرج.
رشا المارديني