الأمين محمود عبد الخالق الخسارة الموجعة
الأمين لبيب ناصيف
ان انتَ خسرتَ رفيقاً تعرفه منذ سنوات، تحزن لفراقه، ربما لساعات او لأيام، وانت تتذكره بلوعة، فكيف اذا خسرت رفيقاً عرفته منذ اوائل ستينات القرن الماضي، وبقيتما معاً في نضال حزبي لم يعرف يوماً تراجعاً او تراخياً.
هكذا كانت علاقتي بالأمين محمود عبد الخالق مذ أن تعرفت إليه، فتوطدت علاقة المحبة، واستمرّت على مدى
تلك السنوات الطوال، ولم تنقطع، حتى في الأيام البغيضة عندما عصفت الخلافات في الحزب، وابتعدنا تنظيمياً، إلا اني لم التقِ يوماً الامين محمود، او الأحباء الامناء المناضلين: عاطف ضو، فؤاد ذبيان، خليل غنام وغيرهم، إلا كنا نتعانق، تشدّنا أواصر لم تنقطع من المحبة والاحترام .
وفي تلك المرحلة من أوائل الستينات، عرفت أيضاً شقيقته الرفيقة شمس، وكانت بمثابة الأخت من المودة والارتياح. عندما غادرت الى «بورتو اياكوشو» في فنزويلا مع زوجها الرفيق توفيق عبد الخالق وكنت اتولى مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود، كنت أطمئن عنهما بالمراسلة، أو كلما التقيت الامين محمود، وتباعاً عرفت كلّ شقيقاته الرفيقات: فدوى، نجاة، نجوى، فعقيلته الرفيقة المرحومة لبيبة التي خسرناها باكراً، فصهره الرفيق المناقبي نبيه عبد الخالق، الذي عرفته فأحببته مذ كان طالباً في جامعة بيروت العربية، فأبنة اخته فدوى، الرفيقة ابتسام ابو شرف المقيمة في كندا.
طبعاً دون ان أنسى تلك الكوكبة الرائعة من رفقاء «مجدلبعنا» الذين عرفتهم تباعاً منذ الستينات، وهم يحتلّون لدي الكثير من مشاعر المحبة المترافقة مع الحزن لرحيلهم:
الأمناء: شاهين عبد الخالق، كميل، محمد سلامة، والرفقاء: فايز أبو رمزي ، الشاعر فوزي، نعيم، شوقي وجهاد قاسم، فريد، غازي، شاهين حمد، د. وجدي، عزت، رؤوف، كميل محمود، وغيرهم ممّن لا تحضرني أسماؤهم حالياً. كما لا أنسى «صهر» العائلة والبلدة الأمين المشعّ قدوة عادل شجاع.
مجدلبعنا، هذه القلعة القومية الاجتماعية، تستحق ان يُكتب عن تاريخها الحزبي، ومسيرة الرفقاء المناضلين فيها، الذين يستحقون ان يكون لهم حضورهم في ذاكرة الحزب. الى هذا سعينا، وكتبنا واتصلنا، إنما مع الأسف ضاع صراخنا في فضاء من الاهتمامات الأخرى، فلم يحظ تاريخ الحزب في مجدلبعنا بمن ينصرف إلى جمع المعلومات، فنشرها، وربما إصدارها في كتاب.
عن البعض من الرفقاء الأحباء في «مجدلبعنا» كنت كتبت عند رحيلهم، انما هم يستحقون أن يكتب أكثر، وأن تسجلّ تلك الومضات الكثيرة الحلوة عن نضالات الرفقاء، فتبقى لتاريخنا، وللأجيال.
الى رفقائنا في مجدلبعنا اوّجه هذا النداء – الصرخة: حرام أن يضيع تاريخ الحضور القومي الاجتماعي في مجدلبعنا. حرام ألا تسجل تلك المسيرة الحزبية الرائعة للرفقاء الشهداء، ولغيرهم من أمناء ورفقاء، في وقفاتهم النضالية، وفي تفانيهم الذي لم يعرف التراخي، او الضمور.
منذ شبابه ونشأته في الحزب، لم ينقطع الأمين محمود عبد الخالق عن الالتزام المطلق، وعن تولّي المسؤوليات الكثيرة.
لقد عرفته «مجدلبعنا»، ومنفذية الغرب، كما كلّ الحزب. مسؤولاً جريئاً، متابعاً، حكيماً في معالجة الأمور، مهما تعقدّت، ومناضلاً في كلّ الظروف، العادية او الصعبة، ودائماً كان ملبّياً لنداء الواجب.
ومنذ نشأته عرفته، وترافقنا. كنا معاً في المجلس الأعلى اكثر من مرة، وفي مجلس العمد، مراراً. وعرفته أكثر عندما انتُخبت ناموساً للمجلس الأعلى في حين كان الأمين محمود رئيساً له. كنا نلتقي يومياً تقريباً. أشهد أنه، ولا مرة، ساد أيّ سوء تفاهم بيننا، ولا تسرّب إلى علاقتنا ايّ أمر غير قومي اجتماعي… لقد عرفته أكثر، فأحببته أكثر، وترسّخت علاقتي به، ثقة ومحبة وارتياحاً. لن أنسى تلك الجلسات الكثيرة التي جمعتني به، ومع آخرين، منهم الأمناء منصور عازار، عادل شجاع ويوسف فضول، عندما كانوا يتولون مسؤوليات: رئيس، نائب رئيس وناموس مكتب المجلس القومي. في كلّ تلك الجلسات كان الأمين محمود يصغي، يناقش، ويتعاطى بكلّ إيجابية وتفهّم، ودائماً مع أخذه بما يراه لمصلحة الحزب، حريصاً على قواعد العمل المؤسساتي، وعلى نجاح العمل.
لم أجده، طيلة سنوات ملازمتي له في مكتب المجلس الأعلى، إلا عاملاً على معالجة الأمور بحنكة، «يدوّر الزوايا»، يسعى جاهداً كي يصل بالحوار الى نتيجة تكفل مصلحة الحزب.
في تلك المرحلة اكتشفت في الأمين محمود، ذلك القومي الاجتماعي الحريص على حزبه، العامل كي تعالَج الأمور بالمحبة والحوار الصادق، فلا تتفجّر العصبيات المريضة، ولا تصل الأمور الى حائط مسدود. فالحزب أغلى . انه بؤبؤ العين، إنه الأمانة من سعاده إلينا، ومنا إلى كلّ الأجيال.
يعرف المحيطون بنا في تلك المرحلة كم كان التفاهم مثالياً بيني وبين رئيس المجلس الأعلى. كم كنا نتعاطى ضمن أواصر المحبة والثقة والغيرة على الحزب.
اليوم وقد رحل، ألوم نفسي أني لم أجلس معه كثيراً للاستماع إلى الكثير من المعلومات التي يحملها في ذاكرته وعقله ووجدانه.
كم تمنيتُ عليه ان يدوّن مروياته ومعلوماته التي كنت أطرب لسماعها، كما إلى قصائد الرفقاء الشعراء غسان مطر، فوزي عبد الخالق، وخالد زهر، التي كان يردّدها فيما نحن نرافقه في السيارة الى إحدى المناسبات الحزبية.
كان يتمتع بذاكرة عجائبية ويملك جرّاء السنوات الطوال من تولّيه المسؤوليات القيادية، الكثير من المعلومات التي كان يجب أن تبقى لتاريخنا.
إنما، كانت مسؤولياته وانشغالاته الحزبية المستمرة تحول دون ان يدوّن، أو أن يسجلّ الكثير على آلة تسجيل، كما كنتُ أقترح عليه. ولم يكن يتوفر من يصرف الساعات الطوال لتدوين معلوماته ومروياته الكثيرة، لئلا تضيع. هذا جزء من معاناة كتبتُ عنها أكثر من مرة، وأطلقت الصراخ مراراً، انما مع الأسف كنا نخسر رفقاءنا الذين تولوا مسؤوليات قيادية، مركزية و/ أو محلية، الواحد تلو الآخر، وبرحيلهم خسرنا مرويات ومعلومات كثيرة لن تعوّض.
كثيراً ما كنا في لقاءاتنا نستعرض أسماء العدد الوفير من الرفقاء الذين عرفناهم على مدى سنوات طوال منذ أن عرفته مسؤولاً عن العمل الطلابي في منطقة الجرد من الغرب، حيث شهدت المدارس والقرى نشاطاً مميّزاً للرفقاء الطلبة، وانتمى العشرات من الرفقاء، منهم وليد يارد الذي أدعوه لأن يكتب لنا عن تلك المرحلة الغنية من النشاط الحزبي الطالبي، وفاءً للماضي الجميل للأمين محمود، وللرفقاء الذين نشطوا في تلك المرحلة، أذكر منهم جهاد قاسم عبد الخالق، كابي، جورج وأولغا ابو شعر، بشور كرم، أنطون خوري وأشقاؤه سماحة، كمال وأسد قنصل جيبوتي في لبنان سمير تميمي والمئات من رفقاء ومواطنين.
نحن، مع الأسف نقسو كثيراً ونظلم قياديينا وهم على قيد الحياة والعطاء، حتى إذا خسرناهم، توجّعنا كثيراً، ورغبنا لو أنهم يبقون معنا في سبيل أن نخدم وإياهم حزباً عظيماً يجب ان نكون له، كلنا، أوفياء.
امين محمود،
في كلّ يوم آت، سيفتقدك حزبك، سيشعر كثيراً بفداحة رحيلك الموجع، وسيشتاق إلى حضورك الحلو، وإلى مزاياك القومية الاجتماعية، وهي كثيرة.
إني شخصياً أحببتك كثيراً، ولن أنساك.