تبعات تبعية بلدان العالم الثالث لمؤسسات رأس المال العالمية
محمد شريف الجيوسي
تقع معظم بلدان العالم الثالث تحت أعباء المديونية لمؤسسات رأس المال العالمية، وبالتالي فإنها لا تمتلك قرارها السياسي المستقلّ وتصبح شؤونها المالية والاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية والثقافية، رهن تدخلات تلك المؤسسات المالية الكبرى من بنك وصندوق دوليين وكلّ الدول المرتبطة أنظمتها بهما على مستوى العالم، بأشكال مباشرة وغير مباشرة، ومنها ما يسمّى برامج التصويب الاقتصادي، التي هي في جوهرها برامج تخريب اقتصادي، لتلك البلدان المرغمة على تنفيذها.
وكما نرى موضوعياً فإنّ برامج التصويب الاقتصادي، مهمّتها تعظيم الفوارق الطبقية في مجتمعات بلدان العالم الثالث بإفقار الطبقات المتوسطة والحاق مزيد من الإفقار بالطبقات الفقيرة، وجعل اقتصاداتها في خدمة تسديد الدين والدول الدائنة ومؤسسات رأس المال العالمي، وفي خدمة الطبقات المحلية التابعة المرتبطة مصالحها بتلك المؤسسات وما يرتبط بها، وبالتالي في خدمة اقتصادات الامبريالية وسياساتها العدوانية التوسعية، وفي النهاية استلاب شعوب بلدان العالم الثالث المدينة الحرية في امتلاك قرارها السياسي وفي امتلاك ثرواتها والغذاء والسيطرة عليه.
ومع استطالة الوقت وبتأثير برامج التصحيح الاقتصادي تتعاظم المديونية، وتتلاشى استقلالية القرار السياسي كلياً، لصالح أعداء بلدان العالم الثالث، ويعمّ الفساد حيث تفرض التبعية طبقة طفيلية، لا تستمدّ قوتها من الشعب الذي هي بين ظهرانيه، بل من مصاصي دمائه، فلا تقتصر على تأمين مصالحها في بلدانها، وإنما في العمالة للأجنبي المتجسّد في مؤسسات رأس المال العالمي وتعبيراته العسكرية والاقتصادية والثقافية، وفي السمسرة له وتلقي الرشاوى، وتعميم ذلك في المجتمعات، وتشويه الثقافات الوطنية، واستبدالها بثقافات هجينة مدمّرة لبنى المجتمعات الوطنية ولحمتها، وزرع الكراهية واستدعاء الخلافات والاختلافات والتطرف والشروخ والفتن بأنواعها، وفي وضع قدراتها كافة في الخارج في خدمة مستغلي وناهبي الشعب.
إنّ التبعية لمؤسسات رأس المال العالمية هي الآفة الرئيسة التي تعاني منها أوطان ودول وشعوب وأمم العالم الثالث، سواء في حال تعاملت معها ووقعت في أحابيلها، وقتها تكون أعجز من أن تقول لا فهي لا تستمدّ قوّتها من شعبها، وإنما من المستعمر المتبوع ـ أو سواء رفضت ولم تكن على قدر التحدّي أو لم تكن جزءاً من تحالف عالمي كبير منافس أو مناهض للإمبريالية، لكن رفض التبعية في أسوأ الحالات أقلّ كلفة من الوقوع تحت وطأتها.
بكلمات، إنّ خلاص الدول التابعة واستعادتها لقرارها السياسي ومديونيتها، يستوجب استعادة ثقة الشعب بها، والاعتماد على المقدرات الداخلية، وهذا يستوجب تغيير النهج السياسي العام واجتثاث الفساد وممثليه وشرائح التبعية الحاكمة المرتبطة به في البلاد..
وقتذاك يصبح البلد التابع غير تابع في غير حاجة لما يسمّى المنح والقروض، ويصبح سيّد نفسه، يستمدّ قوته من التفاف شعبه حوله، ومما يمتلك من مقدرات، يستطيع بها إعادة إنتاج نفسه وفقها، ونسج علاقات مع حلفاء حقيقيين نزيهين تتقاطع معهم مصالح ومنافع متبادلة ومتكاملة، وليست دولاً استعمارية أو إمبريالية، وفي المحصلة امتلاك القرار المستقلّ الذي بدونه لا تنهض دول، ويعمّ الفساد والفقر والجريمة والجهل والتطرف والعنصرية وينتفي العدل.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk