سيف الإسلام «براءة» وساركوزي الى السجن؟
روزانا رمّال
«أعتقد أن صديقي العزيز ساركوزي مصاب بخلل عقلي، فبفضلي أنا وصل إلى الرئاسة، نحن أعطيناه الأموال التي فاز بفضلها بالانتخابات. لقد جاء لزيارتي عندما كان وزيراً للداخلية وطلب مني مساعدته مالياً في حملته الانتخابية. فقبلت، لأنه بالنسبة إلينا كليبيين، إذا فاز رئيس فرنسي بأموالنا فهذا مكسبٌ كبير لنا»… كلام نطق به العقيد الليبي الراحل معمر القذافي قبل أيام معدودة من هجمة الدول الغربية على بلاده وتقليب المشهد رأساً على عقب، ساركوزي الذي أصبح رئيساً لفرنسا عام 2007 شارك بملء إرادته بحملة اجتياح التحالف الدولي ليبيا وإسقاط نظام معمر القذافي المفترض أنه أكثر مَن مثّل مصالحه الشخصية، لكن هذا ربما يشرح بطريقة أخرى نموذج الفكر السياسي الذي تنطلق منه الأجندة السياسية نحو المنطقة. فبأخذ القذافي مثالاً عليها يمكن إضافة نموذج الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي كان يمثّل أيضاً المشروع الغربي بأشده والأكثر إمكانية على ترجمة المصلحة الأميركية في سطور وافرة من عقود من الزمن حجزت واشنطن لـ»إسرائيل» فيها مكانة ضمن جوار وقّع اتفاقيات سلام ورحّب بهدنة خارجة عن رغبة المصريين. ومع ذلك حظي المرشح الاخواني محمد مرسي بدعم الأميركيين وفاز بالرئاسة وأطيح بمبارك.
القضاء الفرنسي اليوم الذي حرّك قضية ساركوزي كان قد بدأ تحقيقاته منذ سنوات ليبقى السؤال حول الحكم هو أساس المسألة، فماذا يعني هذا التوقيت؟ الجواب أن هناك مَن اختار أن يكون الإعلان عن توقيف ساركوزي للتحقيق في الفترة نفسها لإعلان نجل معمر القذافي سيف الإسلام القذافي من تونس ترشّحه للرئاسة الليبية، ولا شيء هو محض مصادفة في السياسة، ولا تواتر الأفكار يدور خارج الأروقة السياسية وكواليس الدول الكبرى ومخارج حروفها، وما تبتدعه من أجل إطلاق مخططات تعدّل فيها سياستها تارة نحو منطقتنا وفي أخرى تبقي الوضع وفق مصالحها المعروفة. وساركوزي الذي صار اليوم رئيساً سابقاً هو مواطن فرنسي عادي يخضع للمحاسبة أمام أعين الفرنسيين والليبيين أيضاً هذه المرة، خصوصاً اؤلئك الذين يعتبرونه سبباً في عدم حماية بلدهم من هذه الفوضى التي تعيشها ليبيا في وقت كان بإمكانه فعل الكثير من اجل القذافي، لكن الطمع بنهب ثروات ليبيا وأفريقيا أكبر من مسألة ردّ الجميل للعقيد الليبي الراحل. والأهم أن مقاومة الغزو الأميركي أكبر من أن يتم الوقوف بوجهه في تلك المرحلة التي اجتاح فيها المتأسلمون الجدد ساحات التغيير ووجدت فيهم واشنطن جهة قادرة على الإمساك بالسلطة فتستعر نيران التطرّف الإسلامي بمواجهة الاعتدال والتطرف والتزمّت فتتم سرقة الثروات على وقع الفوضى.. الفوضى الخلاقة التي وعد بها الأميركيون شعوب المنطقة.
واسم لبناني تصدّر الصحف الفرنسية منذ عام 2016 عندما أبلغ رجل الأعمال الفرنسي – اللبناني زياد تقي الدين موقع «ميديابارت» للتحقيقات، أنه سلّم حقائب من ليبيا تضم 5 ملايين يورو نقداً إلى ساركوزي وكبير موظفيه السابق كلود غيان… لكن مَن صدّق تقي الدين كذّب شهادة القذافي الأب حينها في حديثه المسجل لقناة فرنسية الثالثة، باعتبار أن المتهم بأنه مختل عقلياً هو معمر القذافي، وليس العكس.
يدرس المحققون اليوم ما مفاده بأن نظام القذافي منح ساركوزي سراً 50 مليون يورو من أجل حملته الرئاسية، ما يمثل أكثر من ضعف التمويل القانوني للحملات الانتخابية آنذاك البالغ 21 مليون يورو.. يُضاف إلى ذلك، انتهاك هذا التمويل غير القانوني القواعد الفرنسية الخاصة بالتمويل الأجنبي، وإعلان مصدر تمويل الحملات الانتخابية.
المصادفة بين الحكم وإعلان الترشيح تشي بتواصل جديد بين الاستخبارات الغربية وبين سيف الإسلام القذافي الذي يحتاج الى زخم الترشّح بقضية ترفع الى الرأي العام العالمي والليبي تساعده في اكتساب شعبية وشرعية جديدة بعد ما تبين أن عائلة القذافي لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في الشارع الليبي الذي يعتبر أن القذافي عمل على تنمية بلده وكانت الظروف حينها أفضل بكثير من الآن حتى سقطت المقارنة. ما يعني أن سيف الإسلام يتقدم على طبق من ذهب إلى أهله وشعبه قريباً كمرشح يحمل صك «براءته» وبراءة والده الذي تبين أنه تمّ بيعه والغدر به من الفرنسيين. وهنا تصبح القضية هذه لاعباً كبيراً في حملة سيف الإسلام المفترضة.
لكن وبالعودة الى النتائج تبدو إعادة إنتاج السلطة مع سيف الإسلام، فيما لو فاز أو أثبت أنه فعلاً يتمتع بشعبية في بلاده واقعة ضمن إطار قناعة غربية أن أسماء كتلك التي حفرت في اذهان الناس لعقود صارت رموزاً لن تتخلى عنها بسهولة. وفكرة التجديد والتحديث في الشارع العربي الذي يحب التمسك بهذه الرموز أصعب مما كانوا يعتقدونه ومسألة التآلف مع الحياة الديمقراطية البعيدة عن التوريث تحتاج الى عقود لا يعني للغرب فيها سوى تحقيق مصالحه المتمثلة بالثروات الطبيعية. وعليه صار يمكن سلفاً استنباط مشروع سيف الإسلام الذي ينوي العودة بجانح مكسور للغرب مقبل على الانتخابات مكرراً سيناريو والده نفسه بتقارب لم يمنع الغدر فيه على الطريقة الفرنسية.
واستطراداً صار الحديث عن نزاهة تحقيقات وشفافيتها أو عدم توظيفها في سوق السياسة الدولية حلماً، حتى ولو كان ذلك آتياً من فرنسا التي لم تعبث بالتحقيقات، لكنها أجادت التوقيت وجعلت الخبر حدثاً لا يُستهان به يصبّ في صالح سيف الإسلام القذافي.