النووي الإيراني مجدداً: نتنياهو في «خانة اليك»
سماهر الخطيب
أثار البرنامج النووي الإيراني من جديد، في تفاعلاته المتصاعدة المزيد من القضايا والإشكاليات بعضها يتعلق بطبيعة العلاقة بين هذا البرنامج وبين مَن يهيمن على عملية صنع القرار في أميركا، وبعضها الآخر يتعلّق بمستقبل العلاقة بين إيران والدول الإقليمية والغربية.
ويبدو جلياً، فشل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في حشد التأييد الغربي والدولي لمزاعمه التي أعلنها حول البرنامج النووي الإيراني بعد عرض مسرحيته الهزلية لم يلقَ أي صدىً، رغم ما قدّمه من وثائق ومعلومات.. إلا أنّ الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد الذي أيد تلك المزاعم، وكانت الجمهور الوحيد المصفق لمزاعم واهية.
فيما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لا تملك معلومات موثوقة عن عمل إيران على تطوير أسلحة نووية منذ العام 2009، أما دبلوماسية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني فلم ترَ أنّ «لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي دلائل تفيد بأنّ طهران غير ملتزمة بالاتفاق النووي»، بدورها أكدت لندن «تمسكها بالاتفاق باعتباره صفقة تساهم في تعزيز السلام في المنطقة».
إنّ هذا الاتفاق الذي توصلت إليه الأطراف كافة بعد أن تولدت الثقة وتوفرت الضمانات، يدفع جميع من شارك فيه إلى تأكيد أهميته حتى حلفاء واشنطن الأوروبيين، الذين تتناقض مواقفهم مع حليفتهم الأميركية ما يظهر بأنهم ابتعدوا بذلك أكثر فأكثر عن واشنطن التي تصرّ على «إصلاحه»، فيما يظهر بأنّ لديهم خيار آخر: تطوير صيغة جديدة للاتفاق من دون مشاركة الحليف الأميركي، أو الاستعداد لانهيار الصفقة تماماً، وبالتالي تحرير البرنامج النووي الإيراني، والعودة إلى تطوير السلاح النووي وصناعة قنبلة نووية في غضون ساعات.
تجدر بنا العودة إلى دوافع واعتبارات السياسة النووية الإيرانية، فالدوافع الاقتصادية لتخفيض استهلاك الغاز والنفط متمثلة بتأمين 20 من الطاقة الكهربائية عبر الطاقة النووية.
أما العسكرية، فهي ترجمة للفكرالاستراتيجي الإيراني الذي ركّز بشدة على الدروس المستفادة من الحرب العراقية الإيرانية، الأمر الذي دعم اتجاه الحكومة الإسلامية لتطوير برنامج نووي قوي.
في حين أنّ الدوافع الاستراتيجية اندرجت في إطار تحقيق هدف أساسي، وهو بناء مكانة متميزة على الساحة الإقليمية، مع استمرار المواجهة مع الولايات المتحدة.
ولذلك، فإنّ السلاح النووي يقدّم لإيران أداة بالغة الأهمية لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، إضافة إلى إحداث تقارب في موازين القوى على الصعيد الإقليمي والدولي.
وفي العودة إلى مصير الاتفاق النووي مع إيران، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور، الذي تزامن مع الحديث عن ضوء أخضر أميركي لـ «إسرائيل» لتوجيه ضربة ضدّ إيران ظهر جلياً في الانتهاكات الإسرائيلية للمطارات العسكرية السورية واستشهاد عسكريين إيرانيين.
يبدو أنّ الوضع حول خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني لا يبشّر خيراً، فمنذ تولي ترامب إدارة البيت الأبيض توعّد بانسحاب بلاده من الاتفاقية ما لم يتم تعديلها لتلبية متطلبات واشنطن. ويبدو ذلك جلياً من خلال الملفين النوويين «الكوري والإيراني»، رغم أنّ هناك فرقاً شاسعاً بينهما، لكنه يريد إيصال رسالة لكل منهما تلبية لمطالب أميركية، رامياً عصفورين بحجر واحد وضارباً بهما عُرض حائط الشرعية الدولية.
من جهة أخرى، إن القوة العسكرية الحقيقية الحالية لإيران ليست كبيرة لدرجة أن تواجه علانية بحرب مفتوحة، لكنها إذا استأنفت برنامجها النووي، فيعني أنها قادرة على ذلك، وفي النهاية ستضعه في مجرى عسكري..
وهو ما يراه الأوروبيون بأنّ الخيار الوحيد الممكن للردّ على إلغاء «الاتفاق النووي» من جانب واحد هو تطويرها المكثف لبرنامجها النووي، ولربما صنعت قنبلة نووية في ساعات..
لكن بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتحدة، قدّم خلالها الخطة الأوروبية لتسوية الوضع، ترك الرئيس الأميركي، الاحتمالات مفتوحة حتى 12 أيار، واصفاً الصفقة النووية بأنها «رهيبة»، إلا أنّ السبب الرئيس الواضح لمحاولته التخلّص من الاتفاقية هو لأسباب سياسية داخلية.
في هذه الأثناء، تشير كل المعطيات إلى الاستعداد لساعة صفر يصفرّ فيها وجه نتنياهو أثناء عرضه المسرحي حول نشاط إيران النووي «السري»، بعد أن أخذ الضوء الأخضر الترامبي. ولا شكّ هنا في أنّ قرارات ترامب المتناقضة لم تأت من عبث. فصناع القرار الأميركي يعلمون ويعملون على أساس «لكل ذي وقت وقته»، والفاتورة لا بدّ أن تدفع من الأصلاء بعد أن فشل في دفعها الوكلاء. وبالتالي يسعى ترامب إلى تسجيل اسمه في سجل البيت الأبيض عابثاً بالملفات الدولية، طالما ما يجنيه مالياً يملئ الخزانة الأميركية.
وبعد أن أصبحت «إسرائيل» في «خانة اليك»، فإنّ ما يدور ليس سوى قرع لطبول حرب ربما تكون مواجهة صورية على الأرض السورية، إنما لن تصل إلى حرب فقرع الطبول شيء والحرب شيء آخر.. لذلك، ينبغي النظر إلى جميع التصريحات الحربية، بوصفها تخدم أهدافاً أخرى.