السيول تقضي على الموسم الزراعي في البقاع الشمالي والأضرار وصلت إلى مئات المنازل
تحقيق ـ عبير حمدان
يعاني القطاع الزراعي الكثير من المشاكل التي تبدأ في غياب السياسة التنظيمية له وتحكّم التجار الكبار بأصحاب المشاريع الزراعية الصغيرة وأزمة التسويق لتصريف المنتوجات، وصولاً إلى الكوارث الطبيعية التي لا يمكن توقعها جراء تقلبات الطقس حيث قضت السيول على جزء كبير من موسم الخضروات في منطقة البقاع الشمالي، ولم تسلم أشجار المشمش والخوخ والكرز من تساقط البرَد بشكل غير مسبوق في هذا الوقت من العام.
يحتاج الملفّ المرتبط بهذا القطاع أكثر من مجرد تحقيق كي يكتمل، ولكن يمكن الإضاءة على أبرز مشاكله بشكل مستمرّ في محاولة لإيصال صوت المزارعين إلى الجهات الرسمية المعنية علّها تضاعف جهودها وتعمل على دعمهم خاصة في منطقة البقاع الأوسط والشمالي، وهذه الجهود تتطلب خطة إنمائية فاعلة وتنسيق مدروس ومتابعة جدية من الدولة كي لا تبقى مشاكل المزارعين حبراً على ورق ضمن الإطار الإعلامي أو مجرد تقرير تلفزيوني عابر.
تجهد الفاعليات الحزبية في المنطقة وفي مقدّمها الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى جانب البلديات في إيصال صوت المزارعين من خلال التواصل مع الهيئة العليا للإغاثة لمسح الأضرار والسعي للتعويض عليهم، وتبقى المشكلة في معالجة الوضع بشكل جذري من خلال السدود والبرك الاصطناعية والموانع التي تحدّ من قوة السيول.
معلوف: المطلوب تحرّك فعلي لنواب المنطقة
في هذا السياق رأى ناظر الإذاعة في منفذية بعلبك في الحزب السوري القومي الاجتماعي إياد معلوف أنّ المزارع يدفع ثمن تقاعس المسؤولين على الدوام لناحية عدم تحركهم حين يحتاج إلى خدماتهم التي يجب أن تكون بديهية كونهم يمثلون أبناء المنطقة. وعن المشهد الأخير الذي شهدته قرى غربي بعلبك جراء السيول قال: «حسب معلوماتي لم يتمّ مسح الأضرار حتى اللحظة، علماً أنّ أسبوعاً قد مرّ، ولم تصل صرخة المزارعين للجهات المعنية بشكل يحثها على التحرك سريعاً لمعالجة المشكلة. والمطلوب تحرّك فعلي من قِبل نواب المنطقة الذين أطلقوا وعودهم بالإنماء ومتابعة هموم الناس ومشاكلهم قبيل الاستحقاق الانتخابي كي يقوم الجيش بمسح شامل وسريع لتقدير حجم الأضرار وبالتالي يتمّ دفع التعويضات، خاصة أننا في أوّل الموسم وهناك مزروعات من الصعب أن يُعاد زرعها».
أضاف معلوف: «موسم التبغ تضرّر بشكل كامل نسبياً وكذلك المقتي والعدس كما تضرّر جزء كبير من الخيم البلاستيكية للمزارعين، وإلى جانب الكارثة التي حلت بالقطاع الزراعي لم تسلم بعض البيوت في هذه القرى من السيول التي اجتاحتها».
الترشيشي: 120 ألف دونم من القمح لن يتمّ حصدها بشكل طبيعي
يرفع رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي الصوت عالياً معتبراً أنّ المنبر الإعلامي الذي يواكب هموم الناس ومشاكلهم قادر على إحداث الفرق، وعن الواقع الذي يعيشه مزارعو البقاع بعد كارثة السيول يقول: «ما يحصل من تقلبات مناخية أمر غير مسبوق ولم نشهده من قبل، هناك مواسم جرفها السيل بالكامل مثل العدس والبازيلا والحمّص، هذه المزروعات كانن يمكن أن تستفيد من المطر قبل شهر أيار ولكن في هذا الوقت من العام يصبح خير السماء نقمة على القطاع الزراعي وليس نعمة. والمزارع لا يمكنه تحمّل النتائج وحده فهو أعجز من أن يواجه الكوارث الطبيعية وما تخلفه من خسائر».
يضيف الترشيشي:» هناك 120 ألف دونم من القمح والشعير لن يتمّ حصدها بشكل طبيعي، لا بل أكثر من ذلك هي معرّضة أن تُصاب بمرض الراهوب والعفونة وإذا ما حصل ذلك يصبح تسويقها هو المشكلة، حيث أنّ الوزارة لا تقبل أن تشتريها من المزارعين، وحتى إذا ما أرادوا بيعها كعلف للحيوانات لن يكون الأمر سهلاً. نحن الآن في موسم الحصاد ويبشرنا خبراء الطقس أنّ هناك أمطاراً وبرقاً ورعوداً آتية فكيف يمكن أن يكون واقع الحصاد في ظلّ هذا الواقع المستجدّ. إلى جانب القمح والشعير فإنّ السيل جرف حقول البطاطا والمقتي التي أصبحت عروقها مريضة والخيار لم يسلم أيضاً».
وفي ما يتصل بالمطالب الملحة في ظلّ هذا الواقع يقول الترشيشي: «نحن نكرّر المطالب نفسها في كلّ مرة وعند كلّ محطة مفصلية، ويبقى المطلب الأساسي الذي ينام في جوارير مجلس النواب هو إنشاء صندوق للتعويضات وهذا الصندوق يمكن أن يتغذى من الصادرات والواردات الزراعية وليس من خزينة الدولة كي لا نكبّدها أيّ عناء، ولكن يبقى هذا الصندوق رصيداً للقطاع الزراعي يستفيد منه في أيام كارثية كالتي يمرّ بها الآن».
ومن خلال «البناء» أعلن أننا سندعو إلى إجتماع طارئ للنقابات الزراعية في مكتب تجمع المزارعين في رياق يوم غد السبت في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً وسنعقد مؤتمراً صحافياً نقول فيه كلّ ما يحصل على أرض الواقع وما يتكبّده القطاع الزراعي من معاناة جراء الكوارث الطبيعية الأخيرة والخسائر الناجمة عن تهريب المنتوجات الزراعية وغياب التسويق».
صقر: العمل على تدارك الأضرار
يؤكد رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر أنّ البلدية تواصلت مع الجهات المعنية للعمل على تدارك الأضرار التي لحقت بالمزارعين جراء السيول وتساقط حبيبات البرد التي ضربت الكثير من الاشجار المثمرة، ويقول: «ليست المرة الأولى التي تضرب فيها السيول مساحات واسعة من الأراضي الزراعية لذلك يجب العمل على إيجاد حلّ جذري لمواجهة الكوارث الطبيعية ومن هنا يجب ان تتضافر الجهود كافة لمعالجة هذه المشكلة التي تتكرّر على الدوام. من جهتنا تواصلنا مع الهيئة العليا للإغاثة وتمّ الاتفاق على مسح الأضرار وذلك في حضور الوزير غازي زعيتر ومخاتير المنطقة وبالتالي سيتمّ الكشف على الأضرار من قبل الجيش اللبناني وبعد ان تُستكمل مستندات المزارعين كافة سوف تُدفع التعويضات».
ويشير صقر إلى أنّ الأشجار المثمرة في جرود الهرمل تضرّرت بشكل كبير وليس الخضروات وحسب، ولا يغفل صقر الضرر الكبير الذي ألحقته السيول بالثروة السمكية والمقاهي على ضفاف العاصي.
اللقيس: وعود بالتعويض
يلفت رئيس بلدية بعلبك حسين اللقيس إلى أنّ الأضرار في مدينة بعلبك تحديداً ليست كبيرة إلا أنّ الكارثة الفعلية حلت في بلدة يونين ويقول: «الموسم الزراعي جرفته السيول بالكامل في بلدة يونين ناهيك عما لحق بالأشجار المثمرة جراء انجراف التربة من السفوح الغربية للسلسلة الشرقية، ولكن ما نراه اليوم لا يُقاس بالسيل الكبير الذي شهدته قرى البقاع عام 1317 وفي شهر أيار تحديداً وحينها أرسل والي الشام مندوباً من قبله لمسح الأضرار وكتب في تقريره حينها أنّ السيل قضى على حياة 28 إنسان وجرف 42 بستان ودمّر 950 منزلاً 500 منها بشكل كامل و450 بشكل جزئي… كما دمّر السور القديم لمدينة بعلبك، وهذا التقرير موثق وموجود في الجامعة الأميركية في بيروت. ووادي السيل موجود حتى يومنا هذا، ولكن البناء العشوائي غيّر معالم المنطقة، إذاً من الخطأ أن نلقي باللوم على الطبيعة حين يغيب التنظيم والمتابعة من الجهات المعنية».
ويشير اللقيس إلى أنّ الحلول ممكنة إذا ما توفرت النية والإمكانيات: «نحن في البلدية لدينا مشروع جاهز لمعالجة المشكلة التي تتكرّر، وهذا المشروع هو العلاج الأمثل ويتمثل في إقامة كواسر ومصائد للسيول وهي كناية عن جدران وجلول يتمّ زرعها وهذه الجلول تستوعب المياه فلا تتحوّل إلى سيول جارفة للأتربة، إلى جانب ذلك يجب أن يتمّ إستحداث برك لتجميع الفائض من مياه الأمطار ومن هنا نتوجه إلى الإدارات المعنية في مؤسسات الدولة لأجل تحقيق هذا الأمر استدراكاً للكوارث الطبيعية».
ويختم اللقيس: «هناك وعود بالتعويض على المزارعين حيث انهم الحلقة الأضعف في هذه السلسلة والتعويضات مرتبطة بالمسح السريع للأضرار وهذا ما تعهّدت به الهيئة العليا للإغاثة بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني ووزارة الزراعة».
حمزة حمية: الناس لا حول لها ولا قوة
يختصر رئيس بلدية طاريا حمزة حمية المشهد ضمن الإطار الإداري الروتيني، فيقول: «البلدة غمرها السيل بالكامل والأمر لم يقتصر على الأراضي الزراعية وحسب إنما وصل إلى المنازل ليس في طاريا وحسب إنما في القرى المجاورة، ففي بلدة شمسطار قُطعت الطرقات ومياه الأمطار اجتاحت البيوت، وفي ما يتصل بالأضرار فهي هائلة ومن الصعب حصرها، نحن من موقعنا تواصلنا مع الهيئة العليا للإغاثة من خلال طلب خطي أرسلناه إلى اللواء محمد خير ليتمّ إرسال فريق من الجيش اللبناني للكشف والمسح، وإلى أن يتمّ استكمال الإجراءات الروتينية فإنّ البلدية حاضرة لاستقبال الناس الذين لا حول لهم ولا قوة سوى الشكوى بانتظار التعويضات المرجوة».
فداء حمية: الجهات الرسمية غائبة
يشير مدير مديرية طاريا في الحزب السوري القومي الاجتماعي فداء حمية إلى الحجم الكبير للضرر الذي خلفته السيول، فيقول: «ما شهدناه منذ أيام لم أشهد له مثيلاً في حياتي فقد كانت السيول قوية بشكل لا يوصف وجرفت معه المزروعات ولو استمرّ انهمار المطر والبرد بنفس الوتيرة لفترة أطول كان من الممكن أن تأخذ السيول عدداً من المنازل في طريقها. في ما يتصل بالموسم الزراعي من الصعب تقدير نسبة الأضرار بشكل محدّد فهذا الأمر يتطلب مسحاً دقيقاً من قبل فريق مختصّ يرسله الجيش اللبناني بعد التنسيق مع الهيئة العليا للإغاثة والجهات المعنية، وللأسف حتى الآن لم نرَ أيّ حضور رسمي في بلدتنا وفي القرى المجاورة لها. أخيراً بادر شبان البلدة إلى دعوة الناس المتضرّرة لتسجيل أسمائهم حيث تمّ الاجتماع في حسينية البلدة وليس ضمن إطار رسمي، ولكن الوضع المأساوي يفرض علينا التكاتف والتحرك ولو بشكل فردي وغير رسمي إلى أن تقوم الجهات الرسمية المعنية بواجبها وتسعى للتعويض على الناس».
الطفيلي: لا يوجد أي مسح ميداني
يُحمّل مدير مديرية شمسطار في الحزب السوري القومي الإجتماعي علي الطفيلي مسؤولية التقصير لنواب المنطقة كونهم لم يقوموا بأيّ خطوة تجاه المزارعين المتضرّرين من السيول، فيقول: «معظم الأراضي الزراعية التي تقع على مجرى نهر الليطاني تضرّرت بالكامل وهناك حقول بطاطا جرفها السيل، ولكن حتى الآن لم يحصل أيّ مسح ميداني رسمي للأضرار، ومهما حاول المزارعون أو حتى البلديات احتساب نسبة الأضرار لن يتمكنوا من تحديد أرقام دقيقة، ذلك أنّ عملية المسح والتقدير تحتاج إلى فريق مختص من الجيش اللبناني ومتابعة مباشرة من الوزارات المعنية كافة والهيئة العليا للإغاثة كي لا تبقى العملية مجرد تخمينات فردية غير مدروسة. وإلى حين وصول هذا الفريق الموعود من الأجدى أن يعمد كلّ من هو متضرّر بالتقدّم بشكوى إلى المخافر لتسجيل وتوثيق الحالة علّه يحفظ شيئاً من حقه بانتظار الكشف والمسح الرسمي والتعويضات المرجوّة. مع الإشارة إلى أنّ البيوت تضرّرت بنسبة كبيرة وليس الأراضي الزراعية وحسب، وبالتالي المطلوب من الدولة بمؤسساتها كافة إيجاد حلّ جذري يحمي أرزاق الناس والقطاع الزراعي من الكوارث الطبيعية، وإنْ لم يتوفر الحلّ في الوقت الحالي على الأقلّ المطلوب أن يقف تقصير نواب المنطقة عند حدّ معيّن ونلمس وعودهم بالإنماء بشكل فاعل».
الحاج حسن: نتكل على مؤسسات الدولة
يختصر المزارع حاتم الحاج حسن معاناة المزارعين في منطقة البقاع جراء السيول التي جرفت معها الموسم ويقول: «ما شهدته المنطقة من سيول في هذا الوقت من السنة عبارة عن كارثة حقيقية، هذا المطر الغير متوقع أثر على المزروعات بشكل كامل، وكذلك حبيبات البرَد التي ضربت كروم العنب وأشجار الكرز في الجرود والمشمش وكذلك أشجار الزيتون، والسيول الأخيرة قضت على موسم الخضروات كالخيار والبندورة والباذنجان، وإلى جانب السيل هناك «الموّح» الذي يغرق الزرع ومن الصعب أن تستوعبه التربة بسهولة».
لكن كيف يمكن مواجهة هذا النوع من الكوارث يجيب الحاج حسن: «من موقعنا كمزارعين قد لا نملك الحلول الناجعة في مواجهة العوامل الطبيعية ويبقى الإتكال على مؤسسات الدولة لمتابعة ملف القطاع الزراعي من مختلف جوانبه علّها تبدّل الواقع الذي نعيشه في كلّ موسم، وكلّ ما نرجوه اليوم هو الحصول على التعويضات كي ننقذ ما يمكن إنقاذه، مع الإشارة إلى أنّ مزارعي البقاع يعانون كثيراً ويتكبّدون خسائر هائلة حيث تحاصرهم الكوارث الطبيعية من جهة واحتكار التجار الكبار للسوق من جهة أخرى، فنحن نسلّم منتوجاتنا للتجار بأسعار زهيدة وهم يضعون التسعيرة التي تتناسب ومصلحتهم ومن هنا يكون الربح الأكبر لهم ولو على حساب جهدنا».
وعن دور وزارة الزراعة يقول: «للأسف الدولة لا تعير هذا القطاع أيّ اهتمام فعلي، حيث أنّ الأدوية والأسمدة لها تجارها دون أيّ رقابة أو دعم فعلي للمزارعين من قبل الوزارة، كلّ الذي نأخذه من وزارة الزراعـة بعض الشتول والزيوت الشتوية والوعود».
مما تقدّم تبدو الصورة ضبابية لناحية بالنسبة للمزارعين الذين لا يملكون إلا الشكوى والانتظار أن تصل شكواهم إلى أصحاب القرار المنهمكين حالياً بالتشكيلية الحكومية الموعودة، وبالتالي تبقى خطواتهم تحت مظلة تصريف الأعمال بإطار محدود لا يخدم من هم بحاجة الى الخدمات.