حطيط: كلام المشنوق في ذكرى الحسن كان بمثابة أمر عمليات للإرهابيّين للانقضاض على الجيش في الشمال
حاوره محمد حمية
أشار الخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط إلى «أنّ ما حصل في الشمال هو أحد أمرين: إما نهاية مأساة الشمال من خلال الإنجازات العسكرية المهمة للجيش بطريقة احترافية ومتقنة وبسرعة فائقة تفوق ما توقعه الأطراف الذين شاركوا فيها، وإما أنّ الذي فوجئ بردة فعل الجيش سواء بالموقف السياسي أو الميداني والذي عرف أنّ لعبة الشمال لا يمكن أن تمر هذه المرة كما المرات السابقة، حاول أن يختصر الطريق على نفسه وأن يحدّد خسائره من أجل أن يستوعب ما حصل ويؤجل المواجهة النهائية، وبالتالي فإنّ الشمال أجّل المعركة الكبرى والانفجار الكبير بتمكين الجيش من الدخول إلى طرابلس». وأضاف: «لا يمكننا القول إنّ الوضع العسكري في لبنان قد حُسم طالما أنّ هناك ناراً في سورية، لأنّ النار اللبنانية كانت نتيجة طبيعية للنار السورية وطالما أنّ النار مشتعلة في سورية فإنّ احتمال الانفجار الأمني في لبنان قائم».
وأشار حطيط إلى «أنّ الذي حصل في الشمال كان نتيجة عوامل ثلاثة فرضت تغييراً في المواقف الدولية والإقليمية والمحلية، الأول: معركة عرسال بعد أن تمّ استيعاب الطعنة الإرهابية، والثاني: النتائج التي حققها حزب الله في مواجهة بريتال التي كانت الورقة الثانية التي تلعب في مسار إلحاق لبنان بالنار السورية وهذه الخسارة وجهت رسائل قاطعة للذين يحاولون ابتزاز محور المقاومة، أما العامل الثالث فهو العملية البطولية النوعية التي نفذها حزب الله في مزارع شبعا في توقيت ذكي جداً، وفي أقل من دقائق فهمت «إسرائيل» الرسالة وكذلك الإقليم والأميركيون، وهذا ما فرض تغييراً في المواقف».
وعن دور تيار المستقبل في هذه الأحداث، أوضح حطيط «أنّ تيار المستقبل خطط للشمال وطرابلس في شكل يتناغم كلياً مع أهداف المشروع الصهيو-أميركي ومنذ أن اندلعت الحرب على سورية حدّد وظيفة للشمال اللبناني تقوم على عناصر ثلاثة، خدمة الإرهابيين في إنشاء مرفأ لهم في طرابلس واستقبال البواخر لاستيعاب السلاح والجولات العشرين من القتال التي حصلت في طرابلس بيد «مستقبلية» استثمرت في الإرهاب وكان هدفها التغطية على شحنات السلاح التي كانت تأتي من المرفأ، وبالتالي فإنّ كل نقطة دم سالت في طرابلس وحجر هدم ومتجر أقفل كان نتيجة مباشرة لقرار اتخذه تيار المستقبل كأداة للمشروع في الداخل، أما العنصر الثاني الذي حدّده المستقبل بأمر خارجي لمجمل المنطقة الشمالية من طرابلس إلى عكار فهي أنها قاعدة لوجستية لاستهداف سورية والدليل على ذلك رفض المستقبل الخطة الأمنية التي وضعها الجيش للشمال في عام 2012 وإطلاق النار عليه، والعنصر الثالث هو شيطنة سلاح حزب الله وربط كل المآسي بسلاحه والقول: إذا أردنا معالجة الوضع الأمني في الشمال، يجب أن ننزع سلاح حزب الله، لأنهم يريدون أن يشيطنوا هذا السلاح ويزرعوا في الذاكرة الجماعية أنه سبب المأساة وهذه مهمة كلف بها تيار المستقبل منذ عام 2005».
وتابع حطيط: «عندما وضعت القوات السورية يدها على الحدود من العريضة حتى الزبداني عطلت وظيفة المرفأ وإنشاء القاعدة اللوجستية التي تحدثنا عنها، وبقيت مسألة احتفاظ المستقبل بالسلاح والإرهابيين لتبقى في يدهم ورقة في وجه حزب الله وما حصل في عرسال كان خيبة للمستقبل أدت إلى تصدع كبير في داخله، ومن أجل ذلك جاء سعد الحريري مدّعياً أنّ في جيبه هبة للجيش، لكنّ هدف عودته الحقيقي كان احتواء الخيبة الاستراتيجية والتنظيمية لتياره، ومسألة بريتال حيث انهزم الإرهابيون ما ولد لديهم نوع من الإحباط الشديد، فحاولوا أن يعالجوا هذا الإحباط بشيء ما في طرابلس يعوض الخسارة في عرسال وبريتال، وجاءت عملية مزارع شبعا لتوجه رسائل للإقليم وللدول فاتجه الإرهابيون إلى طرابلس مجدّداً وكانوا يخططون للتمدّد إلى عرسال والتزم تيار المستقبل بهذه الخطة بما في ذلك وزير الداخلية نهاد المشنوق، وما قاله في ذكرى وسام الحسن لم يكن زلة لسان، بل مخطط له ومأمور به، وعندما أطلق النار على الجيش ونعى الخطة الأمنية كأنه يقول: اخرجوا من طرابلس لأنّ لدينا مشروع وهنا الجيش قدّر مواقفه جيداً وتحرك لأنه يعلم أنّ هناك خلايا نائمة في طرابلس وهو يتابعها بدقة وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليها، وكانت اللحظة عندما أعلن المشنوق ساعة الصفر بكلمته التي كانت أمر عمليات للإرهابيين للانقضاض على الجيش في الشمال، وهنا أصبح الجيش أمام حلين: إما أن يستسلم للابتزاز، وإما أن يبادر وهناك مسؤولية وطنية على عاتق الجيش تمنعه عن التراجع والتراخي، ولذلك بادرت مديرية المخابرات بفعالية إلى ضرب رأس الخلايا الإرهابية فكانت عملية عاصون التي وضعت الجميع أمام مشهد جديد خاصة عندما أقرّ أحمد ميقاتي بالعلاقة مع خالد الضاهر، وهذا يعني أنّ تيار المستقبل هو راعي الإرهاب في طرابلس لتحقيق الأهداف التي ذكرناها، والمستقبل قد حدّد وظيفة الضاهر برعاية الإرهابيين والاتصال بهم باسم المستقبل وليس باسمه الشخصي ولو كان باسمه لكان تنصل المستقبل منه، والمستقبل يريد أن يكون الجيش أداة في يده أو يدمر، وعندما افتضح الأمر كان عليه أن يتخذ أحد الموقفين: إما أن يقف مع الإرهابيين جهاراً ضدّ الجيش وإما أن يسكت ويتنصل من أعمالهم، وفي لحظة ما حاول أن يسلك السلوك الأول ولكن في شكل لين ومرن وتمييع الأمر، لكنّ مواقف القيادة فاجأت المستقبل والتي أبلغت السلطة السياسية بوضوح إما أن نعمل كعسكر، وإما أن لا نعمل وهنا خاف المستقبل من خروج الجيش من طرابلس وأن يفتضح أمره، وأصبح أمام خيارين: إما أن يواجه الإرهابيين أو يتبناهم، لذلك انكفأ تيار المستقبل وأوعز للمسلحين بأن يخلوا الشوارع».
وعن احتمال حدوث تسوية في هذا الموضوع بعد فرار الإرهابيين من مناطق الاشتباكات، أوضح حطيط أن «لا تسوية في هذا الملف لأنها في حاجة إلى اتفاق بين طرفين ولقاء بينهما لإيجاد حل تسووي وهذا لم يحصل»،لافتاً إلى «أنّ ما حصل كنوع من التسوية لم يكن الجيش طرفاً فيه».
واعتبر حطيط «أنّ طرابلس لم تخرج من دائرة النار كلياً، فإذا تابع الجيش عمله في التعقب والتوقيف ابتعدت عن دائرة النار، وإذا تراجع وخضع للقرار السياسي ستعيد الخلايا تنظيم نفسها وتعيد الحالة إلى ما كانت عليه».
وعن انعكاس معركة طرابلس على جبهة البقاع قال: «حيث يستطيع الجيش يعمل وحيث لا يستطيع تعمل المقاومة وهما جناحا قوة لبنان، والانعكاس سيكون كبح الجماعات الإرهابية من تكرار الهجوم على لبنان، لكن يخشى في الأسابيع الستة المقبلة تحت ضغط البرد والحصار من قيامهم بعمل في السلسلة الشرقية لإحداث خرق كبير باتجاه عرسال أو القاع للوصول إلى الجدران الدافئة التي تقيهم صقيع الشتاء».
وعن ملف العسكريين المخطوفين، لفت إلى «أنّ هذا الملف بالنسبة إلى الإرهابيين كنز ثمين وفي وجوده يبقي الإرهابيون حلقة اتصال يؤثرون على الحكومة اللبنانية من خلالها، وقرارهم أن لا يحلّ هذا الملف والحديث عن التفاوض استهلاك للوقت حتى يأتي قرار أميركي لهؤلاء بتحرير ورقة المخطوفين».
وفي شأن التحالف الدولي، شدّد على «أنّ التحالف الدولي عسكرياً، لم يحقق شيئاً وأصلاً هو لم يأت من أجل محاربة الإرهاب بل من أجل إدارة حرب الاستنزاف وتوفير الفرص لهذه الحرب ومن أجل إعادة رسم خريطة القوى التي تعمل بقيادة المشروع الصهيو-أميركي».
وعن التطورات العسكرية في سورية، أوضح حطيط «أنّ القيادة في سورية وقفت على الأهداف الاستراتيجية الكبرى للمشروع الصهيو-أميركي وأداة تحقيق هذه الأهداف لحرب الاستنزاف، و شنت سورية المجموعة الغربية على سورية حرباً عدوانية كونية لإسقاطها فكانت حرب الإسقاط قاسية لكنّ صمود سورية مدعومة من محور المقاومة وبمجموعة دولية أسقط حرب الإسقاط، ثم انتقلت أميركا إلى حرب الاستنزاف، وقد وضعت سورية استراتيجية لإفشال حرب الاستنزاف».
وعن أفق الحل السياسي في سورية، رأى حطيط «أنّ كل إنجاز يحققة الجيش بمثابة الخطوة التي تقرب من الحل وإنهاء الأزمة، فالحل السياسي بالنسبة إلى أميركا وقطر وتركيا والسعودية هو أن تأتي الجماعات التي تأتمر بأوامر أميركا وتستلم السلطة ويسلّم الرئيس الأسد وحكومته الحكم، أما في المنطق السوري فإنّ الحلّ السياسي هو بإعادة الأمن إلى سورية بالقضاء على الإرهاب، وبترك السوريين يتحاورون بما يناسبهم والعودة إلى الشعب لإقرار ما توافق عليه المتحاورون».
يُبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة عصراً ويعاد بثه الساعة 11 ليلاً على شاشة «توب نيوز» تردّد 12036