تفاهمات استراتيجية أين منها معراب؟
روزانا رمّال
لا تلبث تركيبة التحالفات السياسية أن ترتكز على ما يمكنها من العيش طويلاً في كل الحالات والاتجاهات، منها أكان واقعياً ضمن الصالح العام للحزب السياسي الداخلي أو ما يمكن الاستفادة منه على صعيد السياسات العامة ورسمها واستثمارها ضمن المؤسسات الفاعلة أي الحصول على أوسع تمثيل في السلطتين التشريعية والتنفيذية. ففي نهاية المطاف أهداف الأحزاب السياسية في كل العالم تصب عند ممارسة السلطة.
لكن ما هي السلطة التي يقف عندها تماسك التحالفات وديمومة العلاقة بها، وما هي السلطة القادرة على تغيير العمق المصلحي للتحالف وتحويله من المصلحي التكتيكي الى استراتيجي طويل بعيد المدى.
يحضر اتفاقان أو تفاهمان قام بهما التيار الوطني الحر مع كل من حزب الله وحزب القوات اللبنانية الاثنان منهما ساهما بإيصال رئيس الجمهورية ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، لكن الطريق الى ذلك او طريق العبور جاء مختلفاً وما فرضه حزب الله على القوات اللبنانية كان كبيراً بهذا الإطار فلم تسلك الاخيرة طريق الرئاسة والتحالف معاً لولا تمسك حزب الله بمرشح أوحد لأكثر من سنتين هو ميشال عون. فكان أن استثمر انتصاراته الخارجية بضخ فائض القوة المنشود في معركة الرئاسة اللبنانية التي كان أحد مرشحيها سمير جعجع.
السؤال حول التفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر أو «اتفاق معراب» يحضر اليوم اكثر من اي وقت مضى. فهشاشة هذا الاتفاق اخذت نحو خلاصات معمقة بما يتعلق بادارة البلاد عند انطلاقة الحكومة الجديدة «المنتظرة». ومهما حاول الطرفان التمسك به كما يبدو راهناً الا ان ثقة الشارع المسيحي بثبات هذا التفاهم سقطت إلا اذا حصل ما لم يكن بالحسبان ودخل عوامل الوئام بين الفريقين على ادارة الحياة السياسية. فالخلاف برز منذ مرحلة التحضير للانتخابات النيابية اختيار القوات للمرشحين وغياب التنسيق وأي تحالف بين الطرفين. فحينها كانت القوات اللبنانية تخوض انتخابات مصيرية يتوجب عليها من خلالها الاحتفاظ بمقاعدها والحصول على المزيد منها فالتزامها الإقليمي مع المملكة العربية السعودية يحتم عليها حفظ ما تبقى من حلفاء للرياض وكانت القوات اللبنانية الأكثر حماساً لخوض معارك بوجه مرشحي حزب الله بقاعاً وصار لزاماً عليها خوض أجندة مغايرة عن التيار فانتهت الانتخابات وتعمق الخلاف بعد صدور نتائجها ودخل التعداد واحتساب المقاعد النيابية والوزارية حيز التنفيذ. كل هذا يضاف اليه تصويب غالب ودائم من القوات اللبنانية على سلوك التيار الوطني الحر بملفات ادارية حياتية في وزارة الطاقة تحديداً، وخلاصة القول ان الطرفان لم يتصرفا يوماً على انهما حليفان او متفاهمان او ما شابه ولم ينجح اي منهما بإنقاذ هذا الاتفاق، لكن النيات في ذلك بقيت موجودة. واليوم وضع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الكرة في ملعب جعجع بمقابلته التلفزيونية الاخيرة عبر دعوته لإعادة طرح الملف جدياً وإعادة البحث بما شاب الاتفاق.
كلام باسيل يؤكد حرصه على علاقة جيدة بحزب القوات اللبنانية يتوقف عند الأخيرة البحث فيها أيضاً. الامر الذي يؤكد عليه جعجع في اغلب لقاءاته، لكن التحدي الأساسي هو إيجاد نقاط مشتركة قادرة على إحياء هذا التفاهم من جديد وربما يكون ملف مكافحة الفساد فرصة مهمة بهذا الاتجاه ولكن !…
السؤال اليوم عن مصلحة القوات اللبنانية من هذا التفاهم بحال دخول لعبة التحالفات المقابلة للعهد وحلفائه بمجلس النواب، والسؤال أيضاً عن مدى نجاح التيار الوطني الحر بإحراج القوات اللبنانية المقبلة على لقاءات مع تيار المردة. والاثنان هنا يصبحان في مكان صعب تتكشف من خلاله حقيقة الحديث عن انطلاق المعركة الرئاسية وجدواها اليوم ومبدأ التحالفات والتفاهمات المسيحية الجديدة.
بالمقارنة يأتي تفاهم مار مخايل الذي صيغ بين التيار الوطني الحر وحزب الله ليكشف عن تفاهم بدأ طبيعياً ليصبح تلقائياً تفاهماً استراتيجياً واسع الأفق. الامر الذي أسس لاختلافات كبيرة مع التيار الوطني الحر مع ملفات سياسية وإدارية عديدة من دون أن تؤدي يوماً إلى المس بهذا التفاهم، ملف التصويت على منح الحكومة صلاحية، إصدار تراخيص للكشف عن النفط أظهر تباين موقفي وزير الطاقة سيزار ابي خليل ونواب حزب الله أخصهم نواف الموسوي من دون ان يؤدي ذلك الى اي شك بين جمهور الطرفين أو اعتبار أن التفاهم صار في خطر. الأمر نفسه حدث مع قضية البواخر. والاختلافات كثيرة. فما الذي يحول دون ذلك بالوقت الذي من المفترض أن يؤسس فيه تفاهم معراب الى ارتياح في الشارع المسيحي هو أحوج ما يكون اليه. وليست مشكلة «النصب التذكاري» الأخيرة في زحلة إلا واحدة من نماذج قادرة على ان تدخل الوضع في انهيار دراماتيكي سريع.
كل المؤشرات تؤكد انطلاق معركة الرئاسة «افتراضياً»، لكن ليس عند جبران باسيل وحده كما يروج لأن ارضية الاختلاف مع باقي القوى المسيحية يحكمها هذا الأمر، والقوات اللبنانية تؤكد في هذا الاختلاف استحالة اعتبار جبران باسيل مرشحاً رئاسياً مقبولاً بالنسبة إليها او استحالة القبول بتعزيز مكانته حكومياً على حسابها كما تشيع. وعليه تعتبر الأطراف المسيحية جميعها مسؤولة عن وضع نصب عينها هذا الملف في إدارة ملف التشكيلة الحكومية والملفات الخدمية التي تسهم جميعها بتعطيل تشكيل الحكومة. الأمر الذي تدركه قوى خليجية داعمة لخيار قطع الطريق الرئاسي على حلفاء حزب الله من الآن.
عملياً صار الفرق بين تفاهمات ظرفية هشة وأخرى استراتيجية أوضح باهتزاز الاتفاق المسيحي الأكبر بانتظار مساعي ترميمه.