القمة العربية تتحوّل مجلساً وزارياً مكرّراً… فهل تؤجَّل؟ إبراهيم ينسحب من الوساطة الحكومية… والبلد مقفل حتى الإثنين
كتب المحرّر السياسيّ
شكلت الرسالة التي أبلغها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لرئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي عن تهديد إسرائيلي باستهداف الحشد الشعبي وعدم استعداد واشنطن للتدخل، الوجه الآخر لما أعلنته تل أبيب عن حصيلة الدراسات الخاصة بأمنها الاستراتيجي والتي تقول إن التهديد من الشمال الذي تمثله المقاومة يشكل مصدر الخطر الأكبر على كيان الاحتلال، وجاء تهديد العراق كمخرج تجسّ واشنطن به ردود الأفعال حوله قبل التورط في ما قد يكون مصدراً للمزيد من الخطر، خصوصاً بعدما أظهرت محاولات الاستهداف لسورية وغزة ولبنان مخاطر التورّط في مواجهات تقدر «إسرائيل» على البدء منها، لكنها لا تعرف كيف تنتهي.
الردود العراقية تراوحت بين الإعلان عن جهوزية فصائل الحشد الشعبي للردّ بقصف العمق الإسرائيلي والدعوات لرحيل القوات الأميركية، بصورة تجعل تحويل التهديدات الإسرائيلية إلى وقائع بداية مسار قال رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي إنه سيخلق تداعيات خطيرة لا يستطيع أحد التحكم بها.
في لبنان، مع اكتمال الاستعدادات لاستضافة القمة العربية الاقتصادية، وبدء وصول المشاركين ظهرت الصورة باهتة وهزيلة. فالقمة كناية عن مجلس وزراي مكرّر، سيعقد مرّتين، يومي الجمعة والأحد، بحضور رئيسي موريتانيا والصومال بعدما طالت الاعتذارات قبل يومين الرئيسين المصري والفلسطيني وتبعهما يوم أمس أمير الكويت والرئيس العراقي، ومن الممكن أن يليهما رئيسا موريتانيا والصومال بالاعتذار، وبالرغم من الأسباب الخاصة التي تمّ سوقها لتبرير الغياب بدا واضحاً أنّ للغياب ما يتصل بجولة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في المنطقة، وربط الانفتاح على لبنان بخطوات مطلوبة من الدولة اللبنانية، حمل جدول أعمالها نائب معاون وزير الخارجية الأميركية إلى بيروت ديفيد هيل وتتّصل بثلاثة أبعاد، الأول يرتبط بدعوة لبنان لقبول البحث بترسيم الحدود البرية في ظلّ مواصلة «إسرائيل» بناء الجدار الإسمنتي على النقاط اللبنانية وطلب تجاهل لبنان لتغييب ترسيم الحدود البحرية لضمان الأمن لما تقوم به «إسرائيل» من سرقة للنفط والغاز من الحقول اللبنانية في البحر المتوسط، بعدما ضمنت واشنطن شرعنة السرقة الإسرائيلية برعاية إطلاق منتدى الغاز لدول شرق المتوسط، الذي تولّت مصر الدعوة إليه بشراكة «إسرائيل» وقبرص والسلطة الفلسطينية واليونان واستثنت سورية ولبنان، والثاني يتصل بالعلاقة مع سورية التي تريد لها واشنطن أن تنضبط بروزنامة لا مكان فيها لإعادة الإعمار وعودة النازحين إلا عندما ترضخ دمشق للمفهوم الأميركي لأمن إسرائيل وتلتزم الابتعاد عن قوى المقاومة، وللبنان ما يخصه كثيراً في هذا المجال، ففيه القوة الأهم في محور المقاومة، والمطلوب تقليم أظافرها وتشكيل حكومة تتجاهلها أو تحجم حضورها على الأقل، وإلا فحكومة تصريف الأعمال هي الأمثل، وبعدما سمع لبنان كلام هيل ورأى الاعتذارات العربية صار مطروحاً بقوة التساؤل عن سبب الاستمرار بالقمة التي تنعقد وكأنها لا تنعقد، بينما يمكن لوزراء الخارجية والاقتصاد الذين سينعقدون بصيغة مجلس وزاري اليوم أن يقرّروا بناء على طلب لبنان تأجيل موعد القمة لموعد لاحق، تكون في لبنان حكومة وحدة وطنية وتكون العلاقات العربية بسورية قد قطعت الشوط اللازم لدعوة سورية للمشاركة في القمة.
حكومياً، تبدو الصورة شديدة التعقيد بمعزل عن القمة، فيوم الإثنين عندما يُفك أسر البلد، لن يفك أسر الحكومة، فالصورة قاتمة على الصعيد السياسي يكفي للتعبير عنها ما قاله المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم عن انسحابه من أي وساطة في الشأن الحكومي، وقد كان هو الوسيط الذي يمكن أن يتوقع اللبنانيون ولادة المخارج التسووية على يديه، والانسحاب ليس إلا تعبيراً عن درجة الانسداد والتعقيد، والشعور بالعبثية في تعامل الأطراف المعنية مع المساعي الهادفة للحلحلة.
«قمة» بمن حضر
رغم تقلُص مستوى التمثيل وإعلان الاعتذارات بالجملة لملوك ورؤساء عرب عن عدم الحضور، وفي ظلّ الشرخ الوطني وغياب سورية، ستنعقد القمة العربية الاقتصادية في بيروت الأحد المقبل بمن حضر، ما يزيد في هشاشة المؤتمر العربي في الشكل والمضمون، ويُعدّ انتكاسة كبيرة للبنان على المستوى السياسي، إذ كشف حجم الحضور أنّ البلد الذي تحمّل عن العرب أجمع نتائج الحروب الاسرائيلية والحرب الكونية على سورية غير موجود على الخريطة العربية ولا في قاموس العرب، أما على المستوى المالي فالبلد «المُفلس» أنفق مبالغ طائلة لاستضافة القمة من دون طائل منتظر، فليس على جدول أعمال القمة أيّ بند يتعلق بلبنان مباشرة بحسب المعلومات، فضلاً عما دفعه لبنان من رصيده الوطني على خلفية دعوة ليبيا وتأزّماً إضافياً في العلاقات مع سورية.
هذا الواقع المُخيّب للأمال يعزز، بحسب مصادر سياسية ودبلوماسية لبنانية المنطق الداعي الى تأجيل القمة الى ما بعد آذار المقبل وتجنّب عقدها في ظلّ المقاطعة العربية لسورية وحكومة تصريف أعمال.
وتشير المصادر لـ«البناء» الى أنّ «تخلّف الدول العربية عن الحضور على مستوى رأس الحكم فيها يشكل استخفافاً بلبنان وغياب الحدّ الأدنى من المسؤولية والاحترام للبلد المضيف الذي هو عضو مؤسّس في الجامعة العربية، كما يعبّر عن مدى التشظي والانقسام الذي يسود العرب وجامعتهم، ويدلّ على أنّ لبنان ليس على جدول أولويات الجامعة وتنصّل من المسؤولية من الأزمات التي يعاني منها لبنان ودول عربية أخرى».
أما في المضمون فتضيف المصادر أنّ «ذلك سيزيد في الضعف على صعيد نتائج القمة، إذ إنه لم يطبّق أيّ من القرارات منذ العام 1946 حتى الآن والأزمات هي نفسها، جهل وتخلف وفقر وحروب أهلية داخلية وتورّط دول عربية بحروب على دول أخرى وتمادٍ في التطبيع مع عدو العرب إسرائيل فضلاً عن الانخراط في سياسة المحاور ودعم الارهاب التي مزقت النسيج العربي».
وأكد نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي أنّ «عدم وجود حكومة فاعلة والأجواء التي تسود المنطقة، وبالتحديد غياب سورية عن القمة العربية الاقتصادية جعلت القمة تصاب بنكسة فعلية على مستوى الشكل والتمثيل». وفي حديث لوكالة «سبوتنيك » الروسية، اعتبر أنه «إذا كانت القمة ستناقش مسألة النازحين السوريين وإعادة إعمار سورية، فأنا أستغرب كيف ستكون بدون وجود سورية، إنها قمة دعت إليها الجامعة العربية في لبنان ، والأخير استضافها ويقوم بواجبه لا أكثر ولا أقلّ في ظلّ الأوضاع السائدة».
وقد حاول الأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط بعد لقائه صاحب الدعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التخفيف من «مصيبة التمثيل» عبر الإشادة بدقة الأجهزة اللبنانية في تنظيم القمة، وتوسّعت لائحة رؤساء الدول المعتذرين عن عدم الحضور، وكان آخرهم اليوم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بعد أمير الكويت الشيخ صباح الجابر الصباح.
وبعد توجيه وزارة الخارجية والمغتربين دعوة له لحضور القمة أعلن السفير السوري علي عبد الكريم علي في تصريح اعتذاره عن عدم الحضور لـ«كون الجامعة العربية هي المنظمة وحتى الآن الجامعة في وضع غير صحيح تجاه سورية».
وكانت أعمال القمة، انطلقت أمس في فندق فينيسيا في بيروت، في جلستها الأولى لمناقشة مشروع برنامج عمل اجتماع اللجنة المعنية بالمتابعة والإعداد للقمة، على مستوى كبار المسؤولين. وأعلنت المديرة العامة لوزارة الاقتصاد عليا عباس، بعد انتهاء الجلسة «ان اللجنة أقرّت جدول الأعمال ورفعته الى اللجنة التي ستجتمع بعد الظهر والتي تضم كبار المسؤولين والمندوبين الدائمين».
ولفتت الى أنّه «تمّت مناقشة ملف النازحين في إطار الورقة السياسية التي تتكلم عن النازحين واللجوء السوري».
إبراهيم: لم أعد معنياً بالحكومة
في غضون ذلك، برز كلام لافت للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من عين التينة بعد زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري. حيث قال، رداً على سؤال حول موضوع تأشيرات الدخول للوفد الليبي: «يهمّني أمن البلد بالدرجة الاولى فقط». وعن مبادرة تشكيل الحكومة، أجاب: «لم أعد معنياً بهذا الموضوع أبداً لا من قريب ولا من بعيد».
وقد أشر كلام ابراهيم الى أنّ الملف الحكومي يتجه الى مزيد من التعقيد في ظلّ ما عكسته مواقف القوى المسيحية في لقاء بكركي أمس الأول، لا سيما الخلاف حول الثلث المعطل، وفي حين أكدت مصادر لـ»البناء» أنّ العقدة الحكومية ليست مسيحية مسيحية بل بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل حول النفوذ في الحكومة، فرئيس التيار الوزير جبران باسيل يحاول، بحسب المصادر، طرح المخارج لإحراج الرئيس المكلف سعد الحريري والضغط عليه للقبول باحتفاظ التيار بالثلث الضامن إلا أنّ الحريري يعتمد سياسة المماطلة والتسويف ليحول دون ذلك، فهو أيّ الحريري يدرك بأنه سيكون ضعيفاً أمام التيار ورئيس الجمهورية فكيف إذا نال عون الثلث، ما سيؤثر على قوته في الحكومة، وأشارت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ «البناء» الى أنّ الحزب لا يمانع أن ينال الرئيس عون والتيار الثلث الضامن وأكثر لأنّ الحزب مطمئن الى مواقف عون لا سيما في القضايا الاستراتيجية. ودعت المصادر الى «الإسراع في تأليف الحكومة لإنقاذ البلد من مستنقع الأزمات الذي يغرق فيه».
تمدّد السجال على جبهة «التيار» «المردة»
وبعد الاجتماع الماروني في بكركي وما شابهُ من توتر بين تيار المردة والتيار الوطني الحر، استمر السجال على الجبهتين وأصاب الرئيس المكلف سعد الحريري بشظاياه، وقال رئيس المردة سليمان فرنجية عبر «تويتر» «إذا كان الرئيس سعد الحريري مصرّاً وحريصاً على منح الثلث الضامن لرئيس الجمهورية كما قرأنا في «المستقبل» اليوم، فليتنازل من حصّته عن وزير سنّي للقاء التشاوري فتُحلّ المشكلة». أضاف «حزب الله» متمسّك بتمثيل «اللقاء التشاوري» في الحكومة ولن يتراجع ونحن لم نقل إنه ضدّ ان يكون لرئيس الجمهورية الثلث الضامن، اما نحن كفريق مسيحي فإننا ضدّ منح الثلث الضامن لمن يريده ضدّ باقي المسيحيين». قبل أن يبادر فرنجية الى حذف التغريدة.
فردّ باسيل على فرنجية على «تويتر» قائلاً: «رجع الفصل واضح بين الاستقلاليين والتبعيين، ناس بتقاتل لتحصّل حقوق وناس مستسلمة ومسلّمة على طول الخط، بتقاتل بس يلّلي عم يقاتلوا، طعن ظهر وخواصر، مش بسّ فينا، بالعالم وحقوقهم، لمتى بدنا نضلّ ساكتين ومتحمّلين؟»
وقد سبق موقف باسيل مقدمة نشرة أخبار نارية لقناة «او تي في»، تناولت فيها رئيس المردة: «قال سليمان فرنجية إنّ حزب الله يرفض الثلث الضامن للرئيس، واليوم تراجع. لكن تراجع اليوم لم يكن فقط في موضوع حزب الله، بل أيضاً على جبهة تيار المستقبل. فقد نسب فرنجية لجريدة المستقبل ما لم يرد فيها، وقال: إذا كان الحريري متمسكاً بمنح الثلث الضامن للرئيس والتيار فليمنحه من حصته. ثم محا التغريدة». أضافت: «اللبنانيون جميعاً يتفهّمون ردود فعل فرنجية، ويقولون في السر والعلن: ليته يتقبّل الديمقراطية ويفتح صفحة جديدة. أما ما لم يفهموه أمس، ولن يفهموه أبداً، فهو أين المصلحة في نقل المشكلة السنية – السنية حول تمثيل اللقاء التشاوري في الحكومة، الى إشكالية على الساحة المسيحية، وبطلب مِن مَن؟».
اجتماع درزي بغياب أرسلان
أما على الساحة الدرزية فلم تكن أفضل حالاً، فقد عقدت الهيئة العامة لطائفة الموحدين الدروز اجتماعها الدوري في بيروت، برئاسة رئيس المجلس شيخ عقل الطائفة الشيخ نعيم حسن، بغياب رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان وحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور جنبلاط.
وشدّد المجتمعون في بيان على «أهمية تحصين عمل مؤسسة المجلس المذهبي وتفعيله بصفته المؤسسة الرسمية الشرعية المنتخبة التي تمثل كل أبناء الطائفة، وبأن الرد على كل الحملات هو بمزيد من العمل لخدمة الطائفة والوطن». وإذ أكد جنبلاط أن «هذا الاجتماع لا علاقة له بلقاء بكركي كاجتماع سياسي أو غير سياسي، ولا ببعض التظاهرات التي ظهرت هنا او هناك ذات طابع سياسي»، أكد أنه اجتماع دوري للمجلس المذهبي هدفه تفعيل المؤسسات وهذه الندوة هي الشرعية الأساسية الواحدة من أجل استمرار في دعم السياسي والثقافي، وعندما يأتي الاستحقاق بعد سنتين أو أكثر فالانتخابات مفتوحة لمن يريد ان يستمر في هذه المؤسسة الواحدة الموحدة».
غير أنّ مصادر مراقبة ربطت بين الاجتماع وحضور جنبلاط فيه بلقاء الوزير أرسلان ورئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب سوياً في احتفال تأبين الشهيد محمد أبو دياب الأسبوع الماضي في الجاهلية وما تخلله من مواقف تصعيدية من الطرفين ضد جنبلاط والرئيس الحريري والمدير العام لقوى الأمن الداخلي ومدعي عام التمييز.
وكان الحريري قد استقبل جنبلاط مساء أمس، في بيت الوسط يرافقه نجله النائب تيمور، بحضور الوزير غطاس خوري، وجرى استعراض آخر المستجدات السياسية، ولا سيما ما يتعلق منها بتأليف الحكومة.