الروسي في الميدان السوري… ماذا بعد؟
جمال الكندي
ازدحمت السماء السورية هذه الأيام بقدوم نسر جديد في سمائها، سيقلب المشهد العسكري السوري رأساً على عقب. إنه النسر الروسي حليف سورية في المنطقة، والذي أعلن رسمياً دخوله الساحة السورية المفتوحة للحرب على الإرهاب، والتي كانت لفترة ساحة لأميركا وحلفائها فقط، فكسر الروسي هذا الاحتكار ودخلها من البوابة الشرعية عبر أخذ موافقة الحكومة السورية وهو ما يقلق أميركا وزبانيتها.
وزير الخارجية الروسي وضع الاستراتيجية الروسية في محاربة الإرهاب، بقوله «إنّ العمليات الجوية الروسية سوف تستهدف داعش والنصرة وغيرها من الجماعات العسكرية»، يعني أنّ الأمر يشمل كلّ الجماعات التي لا تقبل بالحلّ السياسي ومصرّة على دمار سورية، وإسقاط الدولة السورية، وهذا الذي لا تقبل به روسيا وحتى الغرب وعلى رأسه أميركا، وما التوافق مع روسيا لدخولها الساحة السورية عسكرياً إلا تمهيد لإيجاد حلّ سياسي بعد خمس سنوات من الدمار الذي كانت أميركا نفسها سبباً فيه.
قواعد اللعبة تغيّرت وأدرك الغرب بأنّ الروسي لا بدّ أن تكون له كلمة بعد هذا الهرج والمرج من قبل أميركا وحلفائها، فبعد ما يقارب السنة من إعلان هذا الحلف حربه على الإرهاب في سورية والعراق، الوضع لم يتغيّر، وداعش وباقي التنظيمات الإرهابية في تمدّد. فكان لا بد أن يبرز الروسي في الميدان وباستراتيجية جديدة مفادها القضاء المبرم على الإرهاب وليس استثماره أو احتواؤه مثل ما يفعل الغرب. وهذا ما يقلق أميركا وحلفاؤها.
بدأت العمليات الجوية الروسية وبدأت معها الشكوك الغربية بمدى جدية روسيا في محاربة داعش. والآلة الإعلامية التابعة لها غربياً وعربياً اشتغلت كذلك وحتى قبل بدء العمليات الجوية الروسية، وادّعت بأنّ الروس يستهدفون المدنيين، وهذا ضدّ حقوق الإنسان، وكنت أتمنى من الإعلام العربي المعادي لسورية أن يصوّب عدسات كاميراته على ما يجري في اليمن من قبل التحالف السعودي الذي تجاوز بأفعاله كلمة مجزرة في اليمن إلى كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة ويتغاضى عنها هذا الإعلام المطبل للعدوان على اليمن.
هذا الإعلام سوف يستمرّ بخلق الأكاذيب كعادته، لأنه يعلم أن البوصلة الروسية في سورية موجّهة لداعش وغيرها، ولنضع خطاً أحمر كبيراً على غيرها، فحلفاء أميركا المعارضون للحملة الروسية في سورية يعارضون استهداف روسيا للجماعات الأخرى، والتي يدّعون بأنها من «المعارضة المعتدلة»، فيما هي حسب التوصيف الروسي والسوري كل من يحمل السلاح ضدّ الدولة السورية ولا يرغب بالانخراط في العملية السياسية هو من الأطراف الذين قال عنهم وزير الخارجية الروسي وغيره، وهذه هي نقطة الخلاف مع الغربيين. فهم الذين دعموا هذه الجماعات المتنوعة والمتوزعة في الجغرافية السورية والتي لا ترغب بالحلّ السياسي في سورية.
إنّ العمليات الروسية الجوية سوف تمهّد الطريق لتقدّم الجيش السوري على الأرض. وهذا الأمر يقلق داعمي الجماعات المسلحة في سورية. فالاستراتيجية الروسية التي أعلنها الرئيس بوتين هي أنّ الجيش الوحيد الذي يحارب هذا الإرهاب على الأرض هو الجيش السوري مع وحدات الحماية الكردية، لذلك فإنّ الروسي فتح غرفة عمليات ينسّق من خلالها مع الجيش السوري الذي يعترف به على الأرض كقوة فاعلة تحارب هذه التنظيمات المسلحة.
يُفهم من هذا الكلام أنّ الروسي جاء بعد هذه العربدة الغربية في سورية ليصحّح الوضع ويعيد الأمور إلى نصابها ويدعم الجيش السوري، لخلق مناخ سياسي ملائم لجنيف 3. وهذا طبعاً بمباركة أميركية لا تظهر في العلن من أجل إرضاء حلفائها العرب والإقليميين الذين انخرطوا إلى العظم في مسألة تدمير سورية، واستدارتهم تتطلب وقتاً طويلاً والميدان كفيل بأن يعجل بها.
الحملة الروسية الحالية في سورية هي رسالة قوية لأميركا والغرب بأنّ اللعبة في الساحة السورية ومحاولة تغيير الحكومة السورية بالقوة قد فشلت، ودخول روسيا في هذا الوقت بالذات هو بسبب الشعور الروسي بجدية أميركا وحلفائها في التآمر على سورية والسعي لإسقاط الدولة السورية بقيادتها الحالية وأخذها إلى ما يُسمّى «الفوضى الخلاقة»، كما هي حال ليبيا على سبيل المثال. وهذا من شأنه أن يلحق بروسيا خسارة كبيرة لكون سورية القوية الموحدة بقيادة الرئيس الأسد هي الحليف الاستراتيجي لروسيا.
ولم تتوقف محاولات فريق التآمر، فمرة عبر التوسع في الشمال السوري، ومرة عبر محاولة اختراق العاصمة دمشق من الجنوب…
التدخل الروسي في سورية سوف تظهر نتائجه الإيجابية في الأيام المقبلة عندما تعود مدن كبرى إلى حضن الدولة السورية ويعود الأمان إليها عبر دولة شرعية لا تميّز بين مكوناتها، على عكس الحال السائدة في ما يُسمّى «دولة» المسلحين الإرهابيين.
إنّ الوقت قد حان لتصحيح هذا الربيع العربي المشؤوم الذي جلب لسورية الدمار والخراب عبر الشيشاني والقوقازي والخليجي والأوروبي وغيرهم من الجنسيات التي تعدّت الثمانين جنسية، التي جاءت لتنشر الطائفية المقيتة في أرض الشام. وهذه الحملة سوف تساعد بالتعاون مع الجيش السوري على استئصال هذه الآفة التي خطط لها الغرب وأعطاها اسماً براقاً «الربيع العربي»، وقام مع كل حلفائه السمان بتغذيتها مالياً لتكبر وتكون وبالاً على المنطقة بأكملها، وقد حان الوقت لتنظيف الجغرافيا السورية منها وهذا هو ما يريده الروسي بالتعاون الكامل مع مَن يحارب هذا الإرهاب منذ ما يقارب السنوات الخمس.
الروسي لا يريد أن يدخل في صدام مع الأميركي في سورية والإعلان عن تنسيق قريب بين وزارتي الدفاع في كلّ من روسيا وأميركا هو لتفادي الصدام، وما يدعم ذلك إعلان اوباما بأنّ أميركا لا ترغب بمحاربة روسيا في سورية بالوكالة، لذا فالساحة اليوم لروسيا وحدها في محاربة الإرهاب بكلّ أنواعه.
التدخل الروسي اليوم في سورية سوف يسرّع من عقارب الساعة، والتي ستعلن ربع الساعة الأخير لإنهاء الحرب الكونية على سورية، فالدب الروسي دخل الميدان ليكسر الأحادية الأميركية، والروس جادون لإنهاء هذه الفوضى في السماء السورية وفوضى الجماعات المسلحة.
ماذا بعد هذه الحملة الروسية؟ إنّ بعدها جنيف 3 على أساس من يحضر ويقبل بهذا الواقع الجديد، ويدعم أو يسهم في محاربة الإرهاب بعد القضاء على «داعش» و»النصرة» ومن لفّ لفهما، فهل سيفهم ذلك خصوم الأسد يا تُرى؟