كيف نردّ على مقولة: «الشرق الأوسط الذي نعرفه قد انتهى»؟

المحامي عمر زين

الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتردّي والمتجه نحو الانهيار الشامل في وطننا العربي من بيروت إلى طنجة، مع ما يرافقه من عنف وتطرف وإرهاب، لم يحرك النظام العربي، مع الأسف، ولو من باب الحفاظ على حدود الدول وشعوبها، واستطراداً بقاء قياداته الرسمية، بغضّ النظر عن موقفك منها، على رأس الأحياء من هذه الشعوب وليس على رأس الأموات والأنقاض.

فبدل أن يتصالح هذا النظام مع ذاته ومع شعوبه ومع العصر، نراه فاقد الوعي والبصر والبصيرة، غابت الوصاية عنه التي يفترض أن تكون راعيته ومدبرة شؤونه، والأوصياء التاريخيون عليه ينفذون أجندتهم الخاصة لمزيد من خدمة مصالحهم، فهو متروك بدون حماية، والإرهاب يضرب فيه من كلّ جانب، دون أن يعمل أحد على إدخاله العناية المكثفة لمحاولة الإنقاذ، وكلّ ذلك يحصل بسبب عدم البناء القوي لهذا النظام.

وكالأنظمة هي الأحزاب والمنظمات المحلية والعربية التي ترهلت ولم تجدّد شبابها، ولم تجدّد برامجها، ولم تعمل الديمقراطية والحرية في داخلها، ولم تتماشى مع العصر. يخاصم هؤلاء الأنظمة وهم يسلكون سلوكها، خطر الانهيار في الأمة وخطر التشتت والتهجير والقتل والهدم سيطال هذه الأحزاب والمنظمات وأعضاءها قبل غيرهم، وعلى الرغم من ذلك لا نرى من أي منهم خطوة واحدة نحو بعضهم البعض، لتجتمع حول برنامج الحدّ الأدنى، وتتنظم صفوفها ضدّ هذه الأخطار دفاعاً عن نفسها أولاً، وعن بلدها وشعبها ثانياً. ورغم مناداة بعض الكُتّاب والمفكرين بذلك، فإنّ هذه الأحزاب والمنظمات لم يأخذ أي منها المبادرة تجاه الآخرين لمحاولة اللقاء الجدي سعياً إلى الإنقاذ.

أقول للنظام العربي الرسمي ولأحزاب الأمّة إنكم بالتأكيد قرأتم واطلعتم على ما صرح به مدير الاستخبارات الفرنسية برنارد باجوليه في واشنطن في مؤتمر حول الاستخبارات عقد في جامعة واشنطن منذ يومين: «إنّ الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة».

وأعرب مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» جون برينان، أيضاً، عن وجهة نظر مطابقة حيث قال: «عندما تنظر إلى الدمار في سورية وليبيا والعراق واليمن يصعب عليّ أن أتخيّل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة أو سلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية».

طبعاً نسمع هذه الأقوال وندرك تماماً مدى دور هؤلاء في تأجيج الصراعات وضخّ الأموال والسلاح لنقتل بعضنا البعض، ونتساءل: هل عنت هذه التصريحات للأنظمة والأحزاب والمنظمات شيئاً؟ وهل أعطتهم حافزاً لوضع برنامج وخطة للوقوف بوجه تنفيذ هذه المخططات الإجرامية في حقّ الأمة؟ طبعاً لم يحصل من ذلك شيء، هم ذهبوا بعد مؤتمرهم لتحقيق غاياتهم التي صرحوا عنها ونحن في سبات عميق، أنظمة وأحزاباً.

هذا الموقف يوجب علينا أن نتوقف في مؤتمراتنا وكتاباتنا وخطاباتنا عن توصيف الحالة باعتبار أنها وصّفت بما فيه الكفاية، دون أن تضع هذه اللقاءات خارطة طريق للوصول إلى الدواء المعروف، وهذا لن يكون إلا بأخذ المبادرة من القوى الحية في مجتمعاتنا وفي مقدمتها الجامعات ومنظمات وهيئات المجتمع المدني للدعوة والعمل على إنشاء جبهة شعبية وطنية في كلّ دولة مهمّتها الحفاظ على تراب الوطن وشعبه تحت مظلة العروبة، وذلك بوجه الرياح العاتية، بل الإعصار الذي يهبُّ علينا من كلّ جانب، ولتكن تجربة الرباعية التونسية الناجحة التي كان في مقدمة تكوينها هيئة المحامين في تونس والجمعية التونسية لحقوق الإنسان وقد فرضت المصالحة الوطنية بين أطياف الشعب التونسي، ووقفت سدّاً منيعاً ضدّ الإرهاب والتطرف والعنف وأسّست لنظام يخدم الوطن والمواطن، ونالت دعم شعبها واحترام العالم لها.

فلتكن هذه التجربة حافزاً مشجِّعاً لانطلاقة قوية في لبنان تقودها نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس وجمعيات حقوق الإنسان والجامعات في لبنان، ومثلها في كلّ بلد عربي لصدّ حرب الإلغاء التي تستهدفنا أنظمة وشعوباً بتقسيم المُقسَّم وتجزئة المُجزّأ بقيادة أميركا وفرنسا وإنكلترا وحلفائهم، خدمة لمصالحهم وحماية ودعماً للكيان الصهيوني.

رئيس اتحاد الحقوقيين اللبنانيين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى