أخيرة

السفير المتجوّل…!*

} د. عدنان منصور

 

أراه من بعيد آتياً،

من خلف الحدوديركب سيارة سوداء،

تتصدّرها نجمة داوود

يدخل أبواب القصر المنيعة

يترجّل منها مزهواً،

ويمشي بخطى بطيئة

وثلة من حرس الشرف،

تؤدّي له التحية

تمهّد له اللقاء بالإرادة السَّنية

يتقدّم من صاحب الجلالة والعظمة والسيادة والسلطان

ووجهه يعلوه مجد داوود وسليمان

يصافح طويل العمر،

ويتبادل معه الكلمات، والمجاملات،

والابتسامات

يقدّم أوراق اعتماده،

سفيراً مطلقاً لبلاده

ينقل إليه التحية، يحمل الكأس،

ويلوّح به،

 وفيه حقد الماضي،

وثأر الحاضر، وتواريخ منسية

يتمتم بضع كلمات،

ويشرب مع حامي الديار،

نخب مجازر دير ياسين، وعين الزيتون، والقيسارية.

تطهير الجليل، وحيفا

وعسقلان ويافا،

وعراق المنشية

أراه عن قرب،

والإرادة تتعزّز بالإرادة

ويبدأ الترحال،

لصاحب السعادة

من الآن، يجوب أرض منذر وغسان.

يسيح فيها، يستبيحها،

 رغم أنف الزمان

يشرب من خمرة زحلة

يغتسل في مياه دجلة

يمضغ قات يمن

يحتسي قهوة عدن..

يتطلع إلى قاسيون،

وسوق الحميدية،

وميسلون،

ويوسف العظمة،

وقبر صلاح الدين

عيونه شاخصة،

 الى أطلال خيبر، وبقايا قينقاع،

وإليها يشدّه الحنين

الحدود التي أقفلت في وجه غيره،

أضحت له سالكة وطبيعية

فهو الآن ليس بحاجة الى مساع، أو تأشيرة،

 أو هوية

أراه على أرض الكنانة

يجوب ساحة الأزهر،

مصعراً خدّه أمام

ضريح عبد الناصر

يزور أرض النيلين،

أم درمان والمقرن،

ومنها الى القيروان

وبعدها وهران

وصولاً الى تطوان

من تطوان،

وما ان يلتفت الى الشرق

سيبدو له المشهد جلياً

يرى فيه كلّ شيء،

سيدي مولاي،

والزيتون الأخضر

معابد الأقصر،

والذهب الأصفر

جبل الأولياء، وقصور النفط،

وغرف الحريم،

آثار مأرب والبتراء

هياكل الزمان،

وألف ليلة وليلة

من تطوان، وما ان يلتفت الى الوراء،

سيرى ثانية عصر الجاهلية الجديد

ويرى فيها

طسم وجديس

وقوم داحس والغبراء،

 وبقايا عجل ابيس

من هناك سيروي

كل شيء،

عن بلاد العربان

وكيف أنهم برعوا

في وأد الأوطان

من تطوان،

سيروي كلّ شيء،

ويقول كلّ شيء

عنهم سيبدأ،

بتدوين الأخبار

وكيف أنه مرّ على

أقوام وأغيار،

لم تتعلم من قانون الجاهلية، حتى حماية الديار

عن الأعراب سيدوّن ويحكي لنا عن

الحرائر والقصور

عن العباءة، والطنطور

عن السرائر والبخور.

عن الساقيات والخمور

عن أكواخ اللبن،

وما وراء السور

عن الحفاة والجياع،

ساكني القبور

عن العربان سيروي

كلّ شيء،

وسيحدثنا عن بيوت الطين

عن المرمر وعطور الملوك، والأمراء،

والحكام، والسلاطين

عن صخب القصور،

وأنين الجائعين

عن ترف الفجار،

والثروات الحرام،

وآلام البائسين

من تطوان،

وما ان يلتفت الى الوراء

سيعرف كلّ شيء

عن عجائب الزمان

وترف وبذخ الأعيان….

سيعلم أنه مر،

بأشباه الرجال

وأنه في عقر دارهم،

غرزت النصال

لم لا؟!

ولم لا تستباح الارض،

ويستشري السرطان.

لم لا يرخص الإنسان، وتنتهك الأوطان

لم لا تعود خيبر وقينقاع تعبث،

بقبر الرسول

لم لا يدنس مهد المسيح ثانية،

ويساء الى أمه البتول… 

لم النحيب على جدران الأقصى، وبيت لحم،

وقد يبس غصن الزيتون، وذبح الحمام

لم الرفض والبكاء، وقد حلّ الغراب،

مكان اليمام

لم قرع الأجراس، والتكبير في الحرمين،

وتعبئة الأنام

لم أعلان النفير،

ودق ناقوس الخطر،

والبحث عن منفذ، وإمام

لم الدعوة للثأر، للحرب، للسلام

وأحفاد أحفادك،

عدنان وقحطان،

منذر وغسان

ابتلوا بملوك، وسلاطين، وحكام،

كلهم نيام

كلهم نيام

كلهم نيام

 

*قصيدة كُتِبَت في الخرطوم عام 1977، وكان الوزير عدنان منصور يومها قائماً بأعمال سفارة لبنان في السودان

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى