أولى

التعليق السياسي

أوروبا بين واشنطن وموسكو

 

خلال هذه السنة كانت العقلانيّة الأوروبيّة ونظريّة المصلحة الأوروبيّة على المحك، ومعهما كانت الديمقراطيّة الأوروبيّة على المحك، وكان مقابل كل ذلك الاصطفاف الأوروبيّ تحت المظلة الأميركيّة، وهو اصطفاف كان يفترض سقوطه مع انهيار وتفكّك الاتحاد السوفياتي وزوال التهديد الذي كانت تمثّله الحرب الباردة.

طمعت أوروبا بوراثة دول أوروبا الشرقيّة بتغطية أميركيّة وتوسيع مجالها بها، رغم الأكلاف العالية التي تكبّدتها اقتصادات الدول الغنيّة في أوروبا التي وصفها الأميركيون بأوروبا القديمة التي استنهضوا الدول التي كانت تحت المظلة السوفياتيّة كمنافس لها، وفي حرب يوغوسلافيا ظهرت أوروبا التي تنضح بالعداء لروسيا بالتوازي مع نظرتها العنصريّة للجاليات الإسلاميّة.

خلال الحرب الأوكرانيّة لم يكن مطلوباً من أوروبا الحياد او الصمت، بل وضع سقف للموقف السلبيّ من روسيا تحت سقف المصالح، خصوصاً في موارد الطاقة التي تجعل السعي لاستدامة تدفق الموارد الروسيّة حاجة ملحّة، من موقع مصالح المواطنين الأوروبيين والشركات الأوروبية والاقتصاد الأوروبي، لكن أوروبا لم تكتف بالعقوبات المالية المتوحّشة ضد روسيا برهان إسقاط روسيا، بل ذهبت لتعاقب نفسها بإقفال ألمانيا لأنبوب السيل الشمالي الثاني الذي لم يكن قد تمّ تشغيله بعد، وكان ينتظر إشارة البدء للتشغيل.

تحوّلت أوروبا الى مجرد رهينة أميركية، وها هي اليوم تخسر فرص العودة الى الموارد الروسية للطاقة مع تخريب أنبوب السيل الشمالي الثاني، الذي لا حاجة للإثبات بوقوف الأميركيين وراء تخريبه، ولم يبق أمام أوروبا إلا شراء الغاز الأميركي بالأسعار التي يضعها الأميركيون، وينعشون اقتصادهم على حساب أوروبا بواسطتها. وكما قال نواب ألمان للمستشار أولاف شولتز، تتحوّل الشركات الأوروبيّة نحو بناء مصانع في أميركا لشراء الطاقة الرخيصة، وتنزف أوروبا وتستسلم.

تقول الحكومات الأوروبية إنها لن تستمع لأصوات شعوبها لأن المواجهة مبدئية، وهذه علامة التحوّل الأوروبي نحو الفاشية، وتمضي بالسير نحو الهاوية وهي تعلم أن الانهيار مسألة وقت، وأن اللاعقلانية تحكم السياسة واللاديمقراطية تحكم المجتمع وعكس المصالح يقود الاقتصاد، وأبسط الأوصاف لساستها هو أنهم حمقى وأغبياء وأذلاء في التبعية.

رحل زمن شارل ديغول وونستون تشرشل الذي كان يجاهر الأميركيّون أنهم يريدون التخلص منه الى الأبد وقد فعلوا، وجاؤوا لأوروبا بساسة من عيار حكام دول العالم الثالث، الذين يجيدون السمع والطاعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى