أولى

في عيد النصر العالم على أبواب عصر جديد

‭}‬ معن بشور
ليست استعادة عيد النصر في مصر العروبة في 23/12/1956، بعد العدوان الثلاثي على مصر، المقاومة الشعبية الباسلة في بور سعيد ومدن قناة السويس، وبعد الحراك الشعبي العربي الهائل، لا سيّما في سورية التي نسف أحرارها أنابيب شركة النفط البريطانية من كركوك إلى بانياس، هي مجرد مناسبة احتفالية بيوم مجيد من أيام أمّتنا العربية يوم أطلق القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر صرخته الشهيرة «إذا فُرض علينا القتال فلن يُفرض علينا الاستسلام»، بل هو ذكرى لها دلالاتها في اللحظة العربية ـ الدولية الراهنة حيث تعيش أمّتنا، كما العالم، تحوّلات مهمة شبيهة كتلك التي أحاطت بظروف رافقت معركة مصر والأمّة ضدّ قوى الاستعمار البريطاني والفرنسي ومعهما الكيان الصهيوني العدواني…
ففي ذلك اليوم شهد العالم إسدال الستار على الإمبراطوريتين الاستعماريتين القديمتين اللتين طالما شكا منهما العالم بأسره، كما شكا منهما بشكل خاص الوطن العربي، لا سيّما في تجزئته عبر معاهدة سايكس ـ بيكو، أو عبر وعد بلفور الذي أسّس للكيان العنصري الصهيوني في فلسطين…
وفي عيد النصر يومها برزت وحدة شعبية عربية من المحيط إلى الخليج حيث ثورات الجزائر وشقيقاتها تناضل ضدّ الاستعمار الفرنسي، وحيث العراق ودول الخليج العربي واليمن يواجهون الاستعمار البريطاني، وحيث دول المشرق العربي وفي طليعتها سورية تتصدّى لحلف بغداد الاستعماري.
وفي عيد النصر أيضاً، انفتحت الآفاق أمام الحركة القومية العربية التقدّمية المعاصرة عبر تتويجها بالوحدة المصرية ـ السورية بعد عام وشهرين على جلاء القوات المعتدية على مصر 23/12/1956.
وفي عيد النصر أيضاً، اندفعت قوى مؤتمر باندونغ 1955، من أجل تشكيل نواة حركة تحرر عالمية لعبت دوراً كبيراً في تحرير العديد من بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية من ربق الاستعمار الغربي.
وبعد عيد النصر، وقيام الوحدة بين مصر وسورية، بدأت ملامح الردّة على إنجازات حركة التحرر العربية والعالمية وشهدنا عقوداً من عمليات عودة للاستعمار والهيمنة الأطلسية على العالم عبر انقلابات وغزوات وحروب كان أبرزها حرب حزيران/ يونيو 1967 التي استهدفت احتلال ما تبقى من فلسطين وسيناء والجولان العربي السوري، بل احتلال الإرادة العربية وتعطيل دور أمّتنا في حركة التحرر العالمية.
ولكن الجديد في عيد النصر هذا العام أنه يحمل بذور تحوّل شبيه بذلك الذي عشناه في خمسينيات وستينيات القرن الفائت، سواء عبر تنامي حركة المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعربية ضدّ الاحتلال الصهيوني، كما ضدّ مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، بالإضافة إلى دور يجب أن لا يغيب عن الأذهان للمقاومة العراقية الباسلة بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، والتي لعبت دوراً كبيراً في وقف الاندفاعات الأميركية للسيطرة على المنطقة والعالم، ناهيك بالصمود السوري في وجه حرب كونية مستمرّة بالنار والحصار منذ 12 عاماً، كما بصمود الشعب اليمني والليبي بوجه مؤامرة عاتية لتمزيق وحدتهما وتحطيم إرادتهما، ناهيك عمّا يجري يومياً على أرض فلسطين وفي أكنافها، لا سيّما في لبنان…
في هذا التحوّل اليوم الذي يعكس نفسه بالارتباك المتزايد في أوضاع الدول الاستعمارية، وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية، وفي المأزق الوجودي الذي يعيشه الكيان الصهيوني المهدّد بالاندثار حسب تصريحات كبار ساسته ومؤرّخيه وسياسيّيه يذكّر بما رأيناه في باندونغ عام 1955..
لذلك لم يعد عيد النصر مناسبة من الماضي نستعيدها، بل هو تأكيد على حقائق للمستقبل تصنعها أمّتنا ومعها أحرار العالم كلّ يوم، وتبشّر بعصر جديد في منطقتنا والعالم، عصر لا استعمار فيه ولا استعباد ولا استغلال ولا هيمنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى