أولى

هل «حاكم لبنان» أهمّ من رئيس لبنان؟

‭}‬ أحمد بهجة*
مع اقتراب نهاية ولاية «حاكم لبنان» رياض سلامة في 31 تموز المقبل، يزداد الحديث عن ضرورة تسريع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنّ حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، وفق تفسيرات البعض لأحكام الدستور والقوانين.
هل يعني هذا الكلام أنّ «الحاكم» أهمّ من رئيس الجمهورية؟ بمعنى أنه كان يمكن استمرار الفراغ الرئاسي أكثر فأكثر لو أنّ الولاية الخامسة لـ «الحاكم» لا تنتهي في آخر شهر تمّوز المقبل!
هذا ما حصل بالفعل خلال فترة الفراغ الرئاسي بين نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان في أيار 2014 وانتخاب الرئيس ميشال عون في آخر تشرين الأول 2016. حينها كانت ولاية «الحاكم» مستمرة منذ التجديد له لولاية رابعة عام 2011 في عهد الرئيس سليمان وإبان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حتى التجديد له لولاية خامسة عام 2017 في عهد الرئيس عون وإبان حكومة الرئيس سعد الحريري، وهي الولاية التي تنتهي في آخر شهر تموز المقبل.
على أهمية ما تقدّم، وما يرمز إليه من ضرورة إعادة النظر ببعض مفاصل الدستور، سواء لجهة صلاحيات رئيس الجمهورية التي لا بدّ من توضيحها وتعزيزها حيث أمكن من دون إثارة النعرات لدى طوائف ومذاهب أخرى في هذا النظام البالي المهترئ، أو لجهة صلاحيات حاكم مصرف لبنان التي يجب (وهنا نضع أكثر من خط تحت كلمة يجب) إعادة النظر بها، وبالدرجة الأولى عدم السماح ببقاء أيّ حاكم لأكثر من ولايتين متتاليتين في منصبه («حتى لو كان الله خلقه وكسر القالب»!) كما أنّ هناك ضرورة قصوى لتعديل بعض أحكام قانون النقد والتسليف خاصة تلك التي تُمكّن «الحاكم» من البقاء فوق المساءلة والإفلات من المحاسبة.
طبعاً هنا تلعب الحمايات والولاءات السياسية الدور الأكبر في منع ملاحقة أو محاكمة هذا أو ذاك من الفاسدين، والأمل كلّ الأمل هو أن يبدأ اللبنانيون باستخلاص العِبر والدروس من المراحل السابقة التي أوْدت بهم إلى هذا القعر، وأن يُعبّروا عن ذلك في صناديق الاقتراع لأنهم مع الأسف بأكثريتهم الكبرى دأبوا في دورات انتخابية متتالية على إعادة انتخاب غالبية القيادات والأشخاص الذين يعرفون تماماً أنهم يغطون الفساد أو يشاركون فيه ومعهم الحاشية…!
لذلك لم يكن مستغرباً في السابق التمديد أو التجديد لـ «الحاكم» لخمس ولايات متتالية مع أنّ المسؤولين عن ذلك يعرفون تمام المعرفة منذ فترة طويلة أنّ هذا الشخص فاسد ومُفسد، لكنهم يعرفون أيضاً أنّ الناس لا تحاسب، وأنهم إذا اهتمّوا بمصالحهم الخاصة وكدّسوا الثروات وهرّبوها إلى الخارج، فإنهم قادرون على حماية أنفسهم من المحاسبة والمحاكمة لأنهم بحكم الواقع الطائفي والمذهبي البغيض مستمرّون في السلطة ومن بعدهم أولادهم وذريّتهم…!
الأمل اليوم أن تكون هذه الأمور قد تغيّرت، وأن يكون الناس مستعدّين لأخذ زمام المبادرة في مواجهة ومحاسبة كلّ مسؤول تقاعَس عن فعل ما يلزم لحماية حقوقهم وجنى أعمارهم، وهذا التقاعس لا يزال مستمراً إلى اليوم حيث لم تتخذ السلطة السياسية منذ انفجار الأزمة في تشرين الأول 2019 أيّ قرار أساسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولوضع حدّ للتدهور المتسارع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بحيث تفيد آخر الدراسات والإحصاءات المحلية والدولية أنّ أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين باتوا على خط الفقر وتحته، خاصة الذين لا تزال مداخيلهم بالليرة اللبنانية وتحديداً موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين سواء كانوا لا يزالون في الخدمة أو المتقاعدين.
المحاولة الوحيدة في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية كانت خطة التعافي التي وضعتها حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب وأقرّها مجلس الوزراء في 30 نيسان 2020، وجرت عرقلتها في مجلس النواب وتحديداً في لجنة المال والموازنة، من قبل بعض النواب الذين يمثلون معظم الاتجاهات السياسية ولكن تبيّن عند الامتحان أنهم يمثلون كارتيل المصارف الذي يقف على رأسه «الحاكم» ما غيره!
ورغم كلّ ذلك يبقى لرئيس الجمهورية الدور الأساسي على رأس الدولة، وهذا ما تؤكده حالياً «الكربجة» الحاصلة في عمل كلّ المؤسسات وخاصة في مجلسي النواب والوزراء، حيث نرى أنّ كلّ الأمور معلقة بانتظار انتخاب الرئيس العتيد لكي ينتظم عمل المؤسسات وتدور عجلة الإدارات العامة ومن بينها المصرف المركزي الذي يُفترض أن يأتي على رأسه حاكم جديد قادر على تحمّل هذه المسؤولية الحساسة جداً، خاصة مع التركة الثقيلة التي خلّفها «الحاكم» الحالي الذي سيدخل التاريخ ولكن في صفحاته السوداء…
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى