أولى

فيلتمان الرابح من افتراق حزب الله والتيار

بمثل ما كان كلام الديبلوماسي جيفري فيلتمان غداة ثورة 17 تشرين، دعوة للتركيز على وجهة الاستهداف نحو التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل، عقوبة إضافية على باسيل لعلاقة التيار بحزب الله، وإقراراً بصعوبة إضعاف حزب الله شعبياً وعسكرياً، واقتراح إضعافه سياسياً، عبر استهداف حليفه المسيحي الأكبر الذي يمثله التيار الوطني الحر، كان أيضاً تحديداً للوجهة التي تشكل ديناميكية السياسة المطلوب اعتمادها، وهي فك العلاقة بين التيار والحزب، وضرب التماسك الذي جمع بينهما.
يستطيع التيار ورئيسه تحميل حزب الله مسؤولية دفعه إلى خيار التقاطع مع جماعة أميركا ومرشح ترتاح إليه هو جهاد أزعور. وكان أصل التفكير في ترشيحه لمنصب حاكم مصرف لبنان ينبع من هذا التقدير أصلاً عند التيار وسواه يومها، وأن يقول إن عناد الحزب بالتمسك بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية وعدم الإصغاء لرفض التيار لهذا الترشيح وعدم أخذه في الحساب كعامل محدد لخيارات الحزب الرئاسية، كان السبب في هذا الاقتراب أو التقاطع، فإن التيار ورئيسه لا يستطيعان إنكار أن جوهر هذا التقاطع يقوم على انفتاح على مرحلة جديدة لا تستبعد التلاقي مع جماعات أميركا في لبنان الذين ناصبوا التيار العداء ويكيدون له على كل مفترق، وأن هذا التقاطع يحقق لجيفري فيلتمان ما أراده بفرض التباعد بين التيار وحزب الله.
تتحدّث سرديّة التيار عن رواية أحادية للعلاقة مع حزب الله، ركنها الأول هو موقف التيار مع المقاومة، وهو كلام صحيح، خصوصاً في مرحلة ما بين 2006 و2016، حيث كان للغطاء الشعبي والسياسي الذي قدّمه التيار للمقاومة أهمية، أكبر من ما بعد 2016 عندما انتقلت المقاومة بحجم قوتها ونوعية صواريخها، ومعادلات المنطقة بعد نتائج حربَيْ سورية واليمن، وركنها الثاني هو خسائر التيار وتضحياته في هذا السياق، سواء العقوبات التي طالت رئيسه، أو خسارة التيار لمزاج تطرّف مسيحيّ كان يتلاقى معه تقليدياً على خلفية العداء لسورية والمقاومة قبل عام 2006، ونتائج هذه الخسارة انتخابياً.
هذه السردية لا تختصر ولا تختزل العلاقة بين التيار وحزب الله، وهي تعكس وجهة واحدة منها، أما الوجهة الثانية التي لا تقلّ أهمية، فهي أن علاقة التيار بحزب الله كسرت سياسة العزل والحصار التي فرضتها قوى 14 آذار على التيار، بقوة العجز عن تجاهل مكانة المقاومة في تركيب السلطة مع تعاظم مكانتها الإقليمية منذ حرب تموز 2006 وحرب سورية لاحقاً وتنامي قوتها الصاروخية النوعية والدقيقة بعدهما، وبقوة هذه العلاقة نجح التيار في انتزاع ما هو أهم من رئاسة الجمهورية وجلب قوى 14 آذار الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، والأهم هو تجيير قوة إسلامية صاعدة بحجم حزب الله للترويج لنظرية التمثيل المسيحي الصحيح مراعاة لحليفها التيار الوطني الحر، وهي نظرية يرفضها كل مَن رافقوا اتفاق الطائف وخصوصاً الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط، الذين يعلمون أن شرط القبول بالمناصفة النيابية من المسلمين ارتبط بشرط الدوائر الانتخابية المختلطة في نظام انتخابي يتيح تعويض خسارة المسلمين لعدد من النواب يوازي عددهم بالمشاركة في انتخاب نواب مسيحيين، وربط تثبيت مسيحية الرئاسة باعتبارها شراكة بين المسلمين والمسيحيين يتساوون في إنتاجها، عبر نواب مسلمين ومسيحيين بالتساوي في الأهمية، وينتخبهم ناخبون مسملون ومسيحيون.
بسبب تحالف التيار مع الحزب تمكّن الحزب بتبني نظرية التيار بهدف تمكينه من التفوق على خصومه المسيحيين، من الحصول على موافقة حليفه الرئيس بري، كما حدث في مؤتمر الدوحة ولاحقاً في قانون 2017، وبقوة تأثير بري قبل الحريري وقبل جنبلاط، ومحاولة التيار المضي قدماً في نظرية التمثيل المسيحي الصحيح نحو جعل انتخاب رئيس الجمهورية عملياً من النواب المسيحيين، هي ما تسبب بتفجير العلاقة مع حزب الله، وسيتكفل لاحقاً بنبش كل انقسامات وخلافات ما قبل الطائف هو المناصفة وطوائف الرؤساء، ويجبر التيار على التموضع تحت عناوين أكثر طائفيّة، ويجعله أكثر قرباً من المناخ السياسي لطروحات القوات اللبنانية، التي سوف تحرص في الانتخابات المقبلة لحصاد ما تصفه بتعبيرها الأصيل عن المصلحة المسيحية، التي تتهم التيار بالتفريط بها عبر علاقته لأكثر من عقد ونصف مع حزب الله، بينما سيكون صعباً إعادة تجنيد حزب الله لتمكين التيار من حصاد مقاعد حلفاء الحزب التقليديين مسيحياً كمقاعد القوميين وبعض المستقلين، في بيروت والكورة والمتن وبعلبك والشوف وعاليه وبعبدا والكورة وطرابلس وعكار، حيث أهمل الحزب مصالح حلفائه المسيحيين والدروز والعلويين، فضمرت أحجامهم لصالح توسّع تمثيل التيار، الذي سوف تكون عليه منافسة التطرف القواتي بمزيد من التطرف، في مناطق انتخابية ذات غالبية مسيحية، وهي مناطق صعبة وضيقة الهوامش.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى