أخيرة

الحب قاتل أم مقتول…؟

سارة السهيل

الحب أقدس علاقة عرفها بني البشر منذ وجد سيدنا آدم أبو البشر وأمّنا حواء على الكوكب الأرضي، هذه العلاقة القدسية متوارثة الى بني آدم، من علاقة الخالق بأحبائه من الأنبياء والرسل وعبّاده الصالحين وكلّ مخلوقاته، فهو جلّ شانه يدلل سيدنا محمد بـ طه، ويقول بحق سيدنا موسى واصطنعتك لنفسي ولتصنع على عيني، ويخاطب سيدنا ابراهيم بـ الخليل.
بل انّ الخالق العظيم جلّ شانه يقرن طاعته وعبادته بالحب في مواضع كثيرة من القرآن الكريم والكتب السماوية. وعلى ذلك فإنّ الحب فطرة قد فطرنا الله عليها، وحاجتنا إليها حاجتنا للماء والهواء والطعام.
فالمحب كلّ ما يرجوه من معشوقه نظرة رضا وعشق، وكما يقول ابن الفارض فى العشق الإلهى:

زدني بفرط الحب فيك تحيّراً
وارحم حشى بلظى هواك تسعّرا
وإذا سألتك أن أراك حقيقةً
فاسمح ولا تجعل جوابي لن ترى
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا
سرّ أرقّ من النسيم إذا سرى
وأباح طرفي نظرة أمّلتها
فغدوت معروفاً وكنت منكرا

ولقد ذاقت البشرية صنوفاً متعددة من كاسات الحب والعشق والهيام، وقد يكون عيد “فالانتاين” أحد تجليات مظاهره الحديثة والذي يحتفل العالم به في 14 فبراير/شباط سنوياً، فتروج تجارة الورود والشوكولاتة وبطاقات المعايدة والهدايا المختلفة، وهناك من امتلكوا موهبة الشعر فأبدع بقصيدة هدية لمحبوبته او أبدع بالرسم فرسم لوحة لزوجته او كان موسيقياً فلحّن معزوفة لرفيقة دربه.
وبقدر ما يمثل الحب في حياتنا نسمات الهواء العليل التي تحيينا، فإنّ الحب أيضاً قد يقتلنا بأشكال ظاهرة او باطنة، ومن ذلك قصة الشاعر الأصمعي الشهيرة في التاريخ العربي.
فحين كان الأصمعي يتجوّل في البادية مرّ في طريقه على صخرة كبيرة مكتوب عليها :
أيا معشر العشاق بالله خبروا
إذا حلّ عشق بالفتى كيف يصنع؟
فردّ عليه الأصمعي ببيت مثله كاتباً على الصخرة :
يُداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كلّ الأمور ويخضع…
ثم سار الأصمعي في طريقه.
وفي اليوم التالي مرّ الأصمعي على نفس المكان فوجد بيتاً آخر مكتوباً على الصخرة:
وكيف يُداري والهوى قاتل الفتى
وفي كلّ يوم قلبه يتقطع؟
فردّ عليه الاصعمى ببيت يقول:
إذا لم يجد الفتى صبراً لكتمان أمره
فليس له شيء سوى الموت ينفع
مر الأصمعي في اليوم الثالث ليرى ماذا ردّ عليه الفتى، فوجد شاباً ممدّدا مقتولاً عند الصخرة، فقد قتل العاشق نفسه آخذاً بنصيحة الأصمعي، ووجده قد كتب على الصخرة بيتين:
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا
سلامي الى من كان للوصل يمنع
هنيئا لأرباب النعيم نعيمهم
وللعاشق المسكين ما يتجرّع
فرثى الأصمعي لحال الفتى العاشق، ولام نفسه على ما أجاب الفتى من شعر جلب له الموت.
وتعجّب الأصمعي من شدة غرام ذلك الفتى وصدق عاطفته وإخلاصه لمن أحبّها قلبه، ثم دفنه بجانب الصخرة.
هذا القتل الظاهري في الحب، ولكن كم قتلى في الحب بكلمة جارحة أو غيرة زائدة أو شك في غير محله أو هجران غير مبرّر، أو حب من طرف واحد او حب منقوص او حب محارب من أفراد القبيلة كقصة عنترة.
أما في هذا العصر الذي نعيشه هل اغتيل الحب ظلما وبهتاناً؟ أم صدقت ام كلثوم في ما وصفت (يا العيب فيكم يا في حبايبكم أما الحب يا روحي عليه في الدنيا مفيش ابداً أحلى من الحب)؟
أعتقد انه في زمن السيدة نعم هي صدقت في ما عبّرت، ولكن لو كانت أم كلثوم بيننا الان لوصفت حالنا بأبيات أمير الشعراء:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإنْ هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
***
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوم النفس بالأخلاق تستقم
***
إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا
فعندما أصيب الناس في أخلاقهم فقدوا القيم وفقدوا أنفسهم ومن هنا ظهر الكذب والرياء والقصص التي أخرجت الحب من نصابه النظيف الرقيق الى الابتذال والكذب والغش والخداع والخيانة واستبدال الأشخاص كاستبدال الملابس.
نحن في زمن فقد الحب رونقه وعبيره، فكلّ شيء مباح ومستباح ولم يبق للطيب نصيب في ما نراه من مشاهد بل مهازل من قصص أبطالها يحتاجون الى الرعاية النفسية بل للإصلاح الأخلاقي والتربوي والسلوكي.
أما عن عنوان المقال فنحن في زمن يقتل الحبيب محبوبته وليس يقتل نفسه من أجل الحب فارتفاع نسبة الجرائم المزعومة بسبب الحب يبشر بأحوال الحب في زمن الـ “أنا”، في زمن آبائنا كان العاشق يضحّي بنفسه أما الآن فيجعلها كبش فداء لأغراضه الخاصة (لا نعمّم إلا من رحم ربي)…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى