اللحظة الشعبية العربية المناسبة…
بلال رفعت شرارة
رغم أنّ أحداً من المشتغلين بمشروع تصفية القضية الفلسطينية لم يكن يتوقع أن تكون لدى الفلسطينيين القدرة على مجابهة توقيع الرئيس الأميركي ترامب للأمر التنفيذي بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، وأنّ سلطة القرار العربي على وجه الخصوص التي اتصفت بمواقف مزايدة رافضة، وشاجبة، لتوقيع ترامب اكتفت في واقع الأمر حتى الآن بتحرك رسمي دبلوماسي، وامتصاص ردّة الفعل الشعبية وإبقائها باردة وعند الحدود الدنيا.
في هذا الوقت انصرم العام 2017 على الكثير من الوقائع الفلسطينية، وكان آخرها الحراك الشعبي المتواصل بمواجهة قرار ترامب.
فقد سجّل العام الماضي استشهاد 107 فلسطينيين بينهم 11 استشهدوا قبل أن يُغلَق العام دفتر أيامه، فيما استشهد 13 منذ قرار ترامب.
واستشهد في القدس نفسها 10 فلسطينيين بينهم الشهيدان فادي قنبر ونمر الجمل اللذان أعدما على خلفية عمليتي دهس، نفّذت الأولى في أيلول/ سبتمبر والثانية في الثامن من كانون الثاني/ يناير وسجلت ذاكرة الضفة الغربية ارتقاء 44 شهيداً من بينهم خمس إناث وثلاثة من الشبان جرت تصفيتهم بعد عملية إطلاق نار وطعن في شهر نيسان/ ابريل من العام الماضي، واستشهد في قطاع غزه 45 فلسطينياً بينهم أربعة متأثرون بجراحهم الخطيرة التي أصيبوا بها في السنوات السابقة، وضمن الشهداء 9 بعد قرار ترامب وعدد من الشهداء في تدمير نفق يعود إلى منظمة الجهاد الإسلامي.
كما استشهد 6 فلسطينيين، ثلاثة منهم من عائلة الجبارين من سكان مدينة أمّ الفحم بعد أن أطلقوا النار على جنود «إسرائيليين» قرب أحد أبواب المسجد الأقصى، واغتالت قوات الاحتلال المدرّس يعقوب أبو القيعان، واستشهد طفلان في انفجار لغم «إسرائيلي» في النقب.
واستشهد المواطن الأردني محمد الكسجي في مدينة القدس بعد تنفيذه عملية وقتل جندي «إسرائيلي»، واستشهد 14 مقاوماً خلال ما وصف بمعركة الإعداد والتجهيز، غالبيتهم من كتائب القسام وأصيب ما لا يقلّ عن 1000 فلسطيني بالرصاص الحيّ، وتمّ تسجيل 6500 حالة اعتقال خلال العام 2017 بينهم 640 بعد قرار ترامب، ضمنهم 167 امرأة و 1620 طفلاً أفرجت سلطات الاحتلال عن أعداد منهم، نظراً للاحتجاجات، واعتقلت سلطات الاحتلال 45 بتهم التحريض على شبكات التواصل الاجتماعي.
ردّ الفعل العربي باستثناء لبنان الذي شهد ولا يزال عشرات عمليات الاحتجاج في مختلف مناطقه أبرزها انعقاد جلسة طارئة لمجلس النواب أكدت أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لفلسطين ، فقد بقي العالم العربي مجرداً من ردود الفعل واكتفت الدول العربية بتصريحات لوزراء خارجيتها واجتماع لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، واجتماع في عمّان للجنة الوزارية واجتماع الاتحاد البرلماني العربي وآخر للبرلمان العربي، وخلاف على انعقاد القمة طارئة أم عادية… في عمّان أم الرياض؟ .
البرودة العربية تترافق مع المزيد من الإجراءات الأميركية و«الإسرائيلية»، فقد أغلقت السلطات الأميركية مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وعلّقت تقديم مساعداتها للأونروا فيما اتخذت الحكومة «الإسرائيلية» قرارات استيطانية واسعة وصولاً الى قرارها الأخير.
الهجمة الأميركية «الاسرائيلية» بمشاريع تصفية القضية الفلسطينية تأتي في سياق صفقة العصر المتضمّنة للتوطين والوطن البديل وعاصمة بديلة عن القدس وتذويب الشخصية الفلسطينية، ورغم ذلك وما يحدث لا يوجد مشروع وطني فلسطيني باستثناء شعارات الفصائل الفلسطينية حول التحرير والعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة وعاصمتها القدس.
أزعم أنّ هناك عقماً فلسطينياً عن توليد تصدّ استثنائي جديد، بل الذهاب بعيداً في اتباع استراتيجية رئيس السلطة في المقاومة الشعبية غير المسلحة والدبلوماسية. وهناك تواطؤ واستسلام عربي، والسكوت ضمناً عما يروّج له من مشاريعٍ للتوطين، والقبول بتحويل الانتباه واستبدال العدو «الاسرائيلي» بعدو رئيسي جديد هو إيران!
الجديد أنّ إيران بعد تركيا، وكذلك مصر لم تسقط في شرك المؤامرة الهادف إلى تفجيرها ووضعها على محاور متقابلة وتفتيتها إلى خمس دول، وقبلها لم تسقط تركيا بل هي أحبطت مخطّط الانقلاب، وقبلهما مصر أعادت كلّ المخططات التي استهدفتها خلال ثورة يونيو الى المربع الأول.
ماذا الآن؟ نعتقد بل نجزم ونحن في ذروة المواجهة، أنّ لحظة عربية شعبية مناسبة لا بدّ أن تبرز، ولن يستطيع النظام العربي الاستمرار في إقصاء الموقف الشعبي، كما أنّ الموقف الدولي ساعة ذاك لا بدّ أن يساير الرأي العام العربي، لأنّ تحدّيه يمثل خسارة سياسية واقتصادية، ونرى أنّ صمود الشعب الفلسطيني ومعه اللبناني سيعطيان الوقت اللازم من أجل تثمير الانتصار العراقي والصمود السوري واليمني، وآنذاك يمكن لنا الحديث عن موقف عربي إسلامي ينحاز إلى فلسطين ولا يقف عند القضايا الثانوية…